أخذ العلم من أبي جعفر أحمد بن رزق الفقيه واختص به، وعن أبي مروان عبد الملك ابن أبي سراج، وعن أبي عبد الله محمد بن فرج الفقيه، وأبي علي الغساني وغيرهم. وكان من جلة الفقهاء وكبارهم وعلمائهم وخيارهم، حافظا للرأي مقدما فيه على جميع أصحابه بصيرا بالفتيا، عارفا بعقد الشروط وعللها، حسن العقد لها مع دين وفضل وورع وانقباض عن السلطان وإقبال على ما يعنيه ومواظبة على نشر العلم وبثه. جميل العشرة لمن صحبه واختص به، واسع الخلق، حسن اللقاء، محببا إلى الناس، من رآه أحبه. وكان حليما طاهرا، لينا متواضعا، ودعي إلى القضاء بغير موضع فامتنع من ذلك. اختلف إليه خلق على سبيل التفقه عنده والمدارس فنفع الله به كل من أخذ عنه. وتوفي رحمه الله يوم الأحد، ودفن بعد صلاة العصر من يوم الاثنين عقب صفر من سنة تسع وخمس مائة. ودفن بالربض قبلي قرطبة وشهده عالم كثير من الناس، وشهدت جنازته وكان يوم دخول أبي محمد تاشفين بن سليمان قرطبة واليا عليها وشهدت مع الناس. وكان مولده سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة.
هشام بن أحمد بن هشام الهلالي، يعرف: بابن بقوى من أهل غرناطة؛ يكنى: أبا الوليد.
سكن المرية وسمع من عامة شيوخها كطاهر بن هشام الأزدي، وأبي محمد بن حجاج بن قاسم بن محمد الرعيني المعروف. بابن المأموني، وأبي القاسم خلف بن أحمد الجراوي وغيرهم. ومن الطارئين عليها القاضي الإمام أبو الوليد الباجي، وأبو العباس أحمد بن عمر العذري، وأبو عبد الله محمد بن سعدون القروي. وكان خروجه من المرية بعد سنة ثمانين وأربع مائة. وسكن غرناطة وولي الأحكام بها مدة وبغيرها من جهاتها. وكان رحمه الله من حفاظ الحديث المعتنين بالتنقير عن معانيه، واستخراج الفقه منه مع التقدم في حفظ مسائل الرأي، والبصر بعقد الوثائق، والتقدم في معرفة أصول الدين.
روى عنه جماعة من أصحابنا. ولد في صفر سنة أربع وأربعين وأربع مائة. وتوفي