وكان مشهورا بالحديث ومعرفته معتنيا به، أخذ الناس عنه. وتوفي رحمه الله ليلة السبت وهي ليلة سبع وعشرين من جمادى الأولى من سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة. وكان مولده سنة تسع أربعين وأربع مائة.
محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن العربي المعافري: من أهل إشبيلية؛ يكنى: أبا بكر، الإمام العالم الحافظ المستبحر ختام علماء الأندلس، وآخر أئمتها وحفاظها. لقيته بمدينة إشبيلية حرسها الله ضحوة يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الآخرة من سنة ست عشرة وخمسمائة فأخبرني رحمه الله أنه رحل مع أبيه إلى المشرق يوم الأحد مستهل ربيع الأول من سنة خمس وثمانين وأربع مائة. وأنه دخل الشام ولقي بها أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي وتفقه عنده، ولقي بها جماعة من العلماء والمحدثين.
ودخل بغداد وسمع بها من أبي الحسين المبرك بن عبد الجبار الصيرفي، ومن الشريف أبي الفوارس طراد بن محمد الزيبقي، ومن أبي بكر بن طرخان وغيرهم كثير، ثم رحل إلى الحجاز فحج في موسم سنة تسع وثمانين، وسمع بمكة من أبي علي الحسين ابن علي الطبري وغيره. ثم عاد إلى بغداد ثانية وصحب بها أبا بكر الشاشي، وأبا حامد الطوسي وغيرهما من العلماء والأدباء فأخذ عنهم وتفقه عندهم، وسمع العلم منهم، ثم صدر عن بغداد ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين، فكتب عنهم واستفاد منهم وأفادهم؛ ثم عاد إلى الأندلس سنة ثلاث وتسعين وقدم بلده إشبيلية بعلم كثير لم يدخله أحد قبله ممن كانت له رحلة إلى المشرق.
وكان من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها، متقدما في المعارف كلها، متكلما في أنواعها، نافذا في جميعها، حريصا على أدائها ونشرها، ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها، ويجمع إلى ذلك كله آداب الأخلاق، مع حسن المعاشرة ولين الكنف، وكثرة الاحتمال وكرم النفس، وحسن العهد، وثبات الوعد. واستقضى ببلده