فلما وصلنا البيت وطفنا، وتروينا من زمزم دعا كل واحد منا بدعوة فأجيبت. فقلت له بما دعوت؟ قال: دعوت أن ييسر لي التأليف.
محمد بن عتاب بن محسن مولى عبد الملك بن سليمان بن أبي عتاب الجذامي: من أهل قرطبة، وكبير المفتين بها؛ يكنى: أبا عبد الله.
روى عن أبي بكر عبد الرحمن بن أحمد التجيبي، وأبي القاسم خلف بن يحيى ابن غيث، وأبي المطرف القنازعي، والقاضي يونس بن عبد الله، وأبي عثمان سعيد بن سلمة، وأبي عبد الله بن نبات، والقاضي عبد الرحمن بن أحمد بن بشر، والقاضي أبي محمد بن بنوش، وأبي أيوب بن عمرون القاضي، وأبي عثمان بن رشيق وأبي سعيد الجعفري وغيرهم. وكان فقيها عالما، عاملا ورعا عاقلا بصيرا بالحديث وطرقه وعالما بالوثائق وعللها، مدققا لمعانيها، لا يجارى فيها. كتبها مدة حياته فلم يأخذ عليها من أحد أجرا. وكان يحكى أنه لم يكتبها حتى قرأ فيها أزيد من أربعين مؤلفا. متفننا في فنون العلم، حافظا للأخبار والأمثال والأشعار، يتمثل بالأشعار كثيرا في كلامه، صليبا في الحق مؤيدا له، مميزا لزمانه متحفظا من أهله، منقبضا عن السلطان وأسبابه، جاريا على سنن الشيوخ في جميع أحواله، متواضعا مقصدا في ملبسه. يتصرف في حوائجه بنفسه ويتولاها بذاته. كان شيخ أهل الشورى في زمانه، وعليه كان مدار الفتوى في وقته دعي إلى قضاء قرطبة مرارا فأبى من ذلك وامتنع. وكان قد دعي قبل ذلك إلى قضاء طليطلة والمرية فاستعفاهما، وقدمه القاضي أبو المطرف بن بشر إلى الشورى والناس متوافرون، وذلك سنة أربع عشرة وأربع مائة. وهو ابن إحدى وثلاثين سنة. وكان يهاب الفتوى ويخاف عاقبتها في الآخرة ويقول: من يحسدني فيها جعله الله مفتيا،