روى عن أبي عبد الله محمد بن فرج، وأبي علي الغساني وغيرهما. وكان فقيها حافظا للرأي ذاكرا للمسائل، مفتيا ببلده، معظما فيه. وتوفي في محرم سنة تسع وخمس مائة بمراكش، ثم سيق إلى إشبيلية فدفن بها رحمه الله.
محمد بن أحمد بن خلف بن إبراهيم بن لب بن بيطير التجيبي، يعرف: بابن الحاج. قاضي الجماعة بقرطبة؛ يكنى: أبا عبد الله.
روى عن أبي جعفر أحمد بن رزق الفقيه وتفقه عنده، وقيد الغريب واللغة والأدب على أبي مروان عبد الملك ابن سراج. وسمع من أبي عبد الله محمد بن فرج الفقيه، ومن أبي علي الغساني وأكثر عنه. وأبي القاسم خلف بن مدير الخطيب وخازم بن محمد، وأبي الحسن العبسي، وأبي الحسن بن الخشاب البغدادي وغيرهم. وكان من جلة الفقهاء وكبار العلماء معدودا في المحدثين والأدباء، بصيرا بالفتيا، رأسا في الشورى. وكانت الفتوى في وقته تدور عليه لمعرفته وثقته وديانته.
وكان معتنيا بالحديث والآثار، جامعا لها، مقيدا لما أشكل من معانيها، ضابطا لأسماء رجالها ورواتها، ذاكرا للغريب والأنساب واللغة والإعراب، وعالما بمعاني الأشعار والسير والأخبار، قيد العلم عمره كله، وعني به عناية كاملة ما أعلم أحدا في وقته عني به كعنايته قرأت عليه وسمعت، وأجاز لي بخطه. وكان له مجلس بالمسجد الجامع بقرطبة يسمع الناس فيه. وتقلد القضاء بقرطبة مرتين، وكان في ذاته لينا، صابرا، طاهرا، حليما، متواضعا، لم يحفظ له جورٌ في قضية، ولا ميل بهوادة، ولا أصغى إلى عناية. وكان كثير الخشوع والذكر لله تعالى، ولم يزل آخر مدته يتولى القضاء بقرطبة إلى أن قتل ظلما بالمسجد الجامع بقرطبة يقوم الجمعة وهو ساجد لأربع بقين من صفر سنة تسع وعشرين وخمس مائة. ودفن عشي يوم السبت بمقبرة أم سلمة وصلى عليه ابنه أبو القاسم وشهده جمع عظيم من الناس وأتبعوه ثناء حسنا ومولده في صفر سنة ثمان وخمسين وأربع مائة.