سياحة، وانتظمها سماعا، وبلغ ما وراء النهر ثم عاد إلى نيسابور وأقام بها مدة وكان يتقلد مذهب الصوفية والتوكل، ويقول بالإيثار ولا يمسك شيئا. وكان له حظ من الناس وقبول، وعاد إليه أصحاب أبي عبد الرحمن السلمي حتى ضاق صدر أبي عبد الرحمن. ثم عاد بغداد: هذا معنى قول القيسي.
وقال لنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب: قدم عطية بن سعيد بغداد فحدث بها عن زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن محمد بن خيران القيرواني، وعلى ابن الحسن الأذني. حدثني عنه أبو الفضل عبد العزيز بن المهدي الخطيب وقال لي: كان عطية زاهدا، وكان لا يضع جنبه على الأرض وإنما ينام محتبيا. قال أبو الفضل ومات سنة ثلاث وأربع مائة فيما أظن. هذا آخر كلام الخطيب.
قال لي أبو محمد الحفصوني: ثم خرج عطية من بغداد إلى مكة فأخبرني أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي قال: لقيت عطية الأندلسي ببغداد وصحبته، وكان من الإيثار والسخاء والجود بما معه على أمر عظيم؛ يقتصر من لباسه على فوطة ومرقعة، ويوثر بما سوى ذلك. وكان قد جمع كتبا حملها على بخاتي كثيرة. قال عبد العزيز: فرافقته وخرجنا معا على الياسرية وليس معه إلا وطاؤه، وركوته، ومرقعته عليه. قال: فعجبت من حاله ولم أعارضه فبلغنا على المنزل الذي نزل فيه الناس وذهبنا نتخلل الرفاق ونمر على النازلين فإذا شيخ خراساني له أبهةٌ وهو جالس في ظل له وحوله حشم كثير قال: فدعاه وكلمنا بالعجمية وقال لنا انزلوا. فنزلنا وجلسنا عنده فما أطلنا الجلوس حتى كلم بعض غلمانه فأتى بالسفرة فوضعها بين أيدينا وفتحها وأقسم علينا فإذا فيها طعامٌ كثير وحلاوة حسنة فأكلنا وقمنا. قال عبد العزيز: فلم يزل على هذه الحال يتفق لنا كل يوم من يدعونا، ويطعمنا ويسقينا على أن وصلنا على مكة وما رأيته حمل من الزاد قليلا ولا كثيرا. قال: وقرئ عليه بمكة صحيح البخاري