قرأت بخط أبي محمد بن خزرج: أخبرني أبو عبد الله بن منظور أنه خرج من إشبيلية إلى المشرق في شعبان سنة ثمان وعشرين وأربع مائة. وأنه وقف وقفتين سنة ثلاثين وسنة إحدى وثلاثين، وأنه دخل إشبيلية منصرفا سنة أربع وثلاثين وأربع مائة. قرأت وفاته بخط القاضي يحيى بن حبيب وكان ممن أخذ عنه.
قال أبو علي: كان من أفاضل الناس، حسن الضبط، جيد التقييد للحديث، كريم النفس خيارا. رحل إلى المشرق ولقي بمكة: أبا ذر عبد بن أحمد وصحبه وجاور معه مدة وكتب عنه الجامع الصحيح للبخاري، وغير ما شيء. ولقي أيضا أبا النجيب الأرموي، وابن أبي سختوية، وأبا عمرو السفاقسي لقيه بمكة وغيرهم.
أخبرنا أبو الحسن يونس بن محمد المفتي سماعا من لفظه؛ قال: أخبرنا أبو عبد الله بن منظور، قال: لما سرنا إلى الزيارة وانتهينا إلى باب الخشبة، وهو الباب الذي يفضي إلى القبر نزل رجلٌ عن راحلته وأنشد:
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن تلم به ركبا
فلما سمعه الناس نزلوا عن رواحلهم ومشوا إلى القبر. قال لنا أبو الحسن: وتمثل هذا الرجل بهذا البيت أحسن من مدح أبي الطيب المتنبي من مدح به وقال فيه. وقال لنا أيضا: كان ذكي الخاطر، حسن المجالسة، من بيت علم وذكر وفضل رحمه الله.
قرأت بخط بعض الشيوخ: أخبرني من أثق به أن أهل إشبيلية أصابهم قحطٌ في بعض الأعوام وبلغ قفيزهم أحد عشر مثقالا، وزيتهم ثمانية مثاقيل القسط، فانصرف بعض أهلها مهتما بذلك في بعض الأيام، ولم يتعش أحدٌ في دار ذلك الرجل لهمهم بذلك فرأت بنته في السحر شيخا حسن الهيئة لا يشبه رجال أهل الدنيا فكأنها