حج تلك السنة حجة الفريضة عن نفسه ثم ابتدأ بالقراءات على أبي الطيب في أول سنة ثمان وسبعين فقرأ عليه بقية سنة ثمان وبعض سنة تسع.
ورجع إلى القيروان وقد بقي عليه بعض القراءات، ثم عاد إلى مصر ثالثة في سنة اثنتين وثمانين فاستكمل ما بقي عليه في سنة اثنتين وبعض سنة ثلاث. ثم عاد إلى القيروان في سنة ثلاث وثمانين وأقام بها يقرئ إلى سنة سبع وثمانين. ثم خرج إلى مكة فأقام بها إلى آخر سنة تسعين وحج أربعة حجج متوالية نوافل. ثم قدم من مكة سنة إحدى وتسعين إلى مصر ثم قدم من مصر إلى القيروان في سنة اثنتين، ثم قدم إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين، ثم جلس للإقراء بجامع قرطبة فانتفع على يديه جماعات، وجودوا القرآن، وعظم اسمه في البلدة وجل فيها قدره. انتهى ما نقلته من خط ابن مهدي المقرئ رحمه الله.
قلت نزل أبو محمد مكي بن أبي طالب المقرئ أول قدومه قرطبة في مسجد النخيلة في الرقاقين عند باب العطارين فأقرأ به، ثم نقله المظفر عبد الملك بن أبي عامر إلى جامع الزاهرة وأقرأ فيه حتى انصرمت دولة آل عامر. فنقله محمد بن هشام المهدي إلى المسجد الجامع بقرطبة وأقرأ فيه مدة الفتنة كلها إلى أن قلده أبو الحزم بن جهور الصلاة والخطبة بالمسجد الجامع بعد وفاة القاضي يونس بن عبد الله. وكان قبل ذلك يستخلفه القاضي يونس على الخطبة، وكان ضعيفا عليها على أدبه وفهمه. وبقي خطيبا إلى أن مات رحمه الله. وكان خيرا فاضلا، متواضعا، متدينا، مشهورا بالصلاح وإجابة الدعوة. من ذلك ما حكاه عنه أبو عبد الله الطرفي المقرئ قال: كان عندنا بقرطبة رجلٌ فيه بعض الحدة وكان له على الشيخ أبي محمد مكي المقرئ تسلط. كان يدنو منه إذا خطب فيغمزه، ويحصي عليه سقطاته. وكان الشيخ كثيرا ما يتلعثم ويتوقف. فجاء ذلك الرجل في بعض الجمع وجعل يحد النظر إلى الشيخ ويغمزه، فلما خرج