للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً ... (١٨٢)

والعرب «١» تقول: وصيتك وأوصيتك، وفي إحدى القراءتين «وأوصى بها إِبْرَاهِيم» «٢» بالألف. والجنف: الجور. فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وإنما ذكر الموصى وحده فإنه إنما قال «بَيْنَهُمْ» يريد أهل المواريث وأهل الوصايا فلذلك قال «بَيْنَهُمْ» ولم يذكرهم لأن المعنى يدل على أن الصلح إنما يكون فِي الورثة والموصى لهم.

وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... (١٨٣)

يقال: ما كتب على الذين قبلنا، ونحن نرى النصارى يصومون أكثر من صيامنا وفي غير شهرنا،؟ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قال: وحدثني مُحَمَّد «٣» بْن أبان الْقُرَشِيّ عن أَبِي أمية الطنافسي عن الشَّعْبِيّ أنه قال: لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الَّذِي يشك فِيهِ فيقال: من شعبان، ويقال: من رمضان. وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل «٤» . وذلك أنهم كانوا ربما صاموه فِي القيظ فعدوه ثلاثين يوما، ثُمَّ جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثقة فِي أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثُمَّ لم يزل الآخر يستن سنة الأول حَتَّى صارت إلى خمسين. فذلك قوله «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» .


(١) يريد أنه قرىء فى الآية موص بسكون الواو وتخفيف الصاد من أوصى، وموص بفتح الواو وشدّ الصاد، وهذه قراءة حمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم، والأولى قراءة الآخرين. وانظر القرطبي ٢/ ٢٩٦.
(٢) الآية ١٣٢ من سورة البقرة. وانظر ص ٨٠ من هذا السفر.
(٣) هو الواسطىّ الطحان. مات سنة ١٣٩. وانظر الخلاصة.
(٤) يريد أحد فصول السنة الأربعة وتسمى الأزمنة الأربعة أيضا وانظر المصباح (زمن) والمراد:
الفصل المعين الذي يؤقتون به صومهم.