للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحذف النون لأنها كالأداة، إذ كانت عَلَى ثلاثة أحرف، شُبِّهت بقولِهم: جَيْر «١» لا أفعل ذَاك، وقد قَالَ الشاعر «٢» :

فقُلْن عَلَى الفردوس أوَّل مشرب ... أجل جير إن كانت أبيحت دعاثره

وقوله: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ [٢٤] بالضم قرأها العوام. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي هُشيم عَنْ أبي بشر جَعْفَر بن إياس عَن سعيد بن جبير أَنَّهُ قرأ (واخفض لهما جناحَ الذِّلّ) بالكسر. قَالَ: حَدَّثَنَا الفراء وَحَدَّثَنِي الحكم بن ظُهير عَن عَاصِم بن أبي النجود أَنَّهُ قرأها (الذِّلّ) بالكسر. قَالَ أَبُو زكريا: فسألتُ أبا بكر عنها «٣» فقال: قرأها عَاصِم بالضم. والذُلّ من الذلة أن يتذلل وليس بذليل فِي الخلقة، والذلة والذل مصدر «٤» الذليل والذِّل مصدر للذلول مثل الدابَّة والأرض. تَقُولُ: جَمَل ذَلُول، ودابة ذَلُول، وأرض ذَلول بينة الذل.

وقوله: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ [٢٨] يقول: إذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت لأنه لا شيء عندك تعطيهم فقل لهم: قولا ميسورا، يقول: عِدْهُم عِدة حَسَنةً. ثُمَّ نَهاهُ «٥» أن يعطي كل ما عنده حَتَّى لا يبقى محسورًا لا شيء عنده. والعرب تَقُولُ للبعير:

هُوَ محسور إذا انقطعَ سيره وحسرت الدابة إذا سرتها حَتَّى ينقطع سيرها. وقوله: (يَنْقَلِبْ «٦» إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) يحسر عند أقصى بلوغ المنظر.


(١) جبر بمعنى نعم أو حتا. وهو يجرى مجرى القسم.
(٢) هو مضرس بن ربعى الأسدى. والفردوس موضع فى بلاد بنى يربوع. والدعائر جمع دعثور وهو الخوض المتهدم وأصله دعاثيره فحذف الياء للضرورة، والضمير فى «دعائره» للفردوس أو للمشرب. يقول: إن النسوة ارتحلن وذكرن أن أول منهل يصادفنه فى رحلتهن فى الفردوس، فأجابهن الشاعر: حقا ذلك تشربن من هذا الموضع إن أبيحت حياضه ولم تمنع. هذا ويذكر البغدادي فى شرح شواهد المغني فى مبحث جير أن الرواية فى البيت:
وقلن ألا الفردوس أول محضر ... من الحي إن كانت أبيرت دعاثره
وانظر أبياتا مع هذا فى معجم البلدان فى (الفردوس)
(٣) فى ش: «عنهما» والمناسب ما أثبت أي عن هذه القراءة. وأبو بكر هو أحد رواة عاصم.
(٤) أي كلاهما مصدر الذليل. والأولى: «مصدرا الذليل» .
(٥) أي فى قوله تعالى فى الآية التالية: «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»
(٦) الآية ٤ سورة الملك. [.....]