للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) أدخل (أن) فى (إما) لأنها فِي موضع أمر بالاختيار. فهي فِي موضع نصب فِي قول القائل: اختر ذا أو ذا ألا ترى أن الأمر بالاختيار قد صلح فِي موضع إِمّا.

فإن قلت: إن (أو) فِي المعنى بِمنزلة (إمّا وإمّا) فهل يَجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد؟ قلت: لا يَجوز ذَلِكَ لأن أول الاسمين فِي (أو) يكون خبرًا يَجوز السكوت عَلَيْهِ، ثُمَّ تستدرك الشك فِي الاسم الآخر، فتُمضي الكلام عَلَى الخبر ألا ترى أنك تقبول: قام أخوكَ، وتسكت، وإن بدا لك قلت: أو أبوك، فأدخلت الشك، والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عَلَيْهِ. وليس يَجوز أن تَقُولُ: ضربت إمّا عبد الله وتسكت. فلمّا آذنت (إمّا) بالتخيير من أول الكلام أحدثْتَ لَهَا أن.

ولو وقعت إِمّا وإمّا مع فعلين قد وُصِلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز فِي موقع إمّا لَمْ يحدث فيها أن كقول الله تبارك وتعالى: وَآخَرُونَ «١» مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَلا ترى أن الأمرَ لا يصلح هاهنا، فلذلك لَمْ يكن فِيهِ أن. ولو جعلت (أن) فِي مذهب (كي) وصيّرتها صلة ل (مرجون) يريد أُرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم، صلح ذَلِكَ فِي كل فعل تامّ، ولا يصلح فِي كَانَ وأخواتها ولا فِي ظننت وأخواتها. من ذَلِكَ أن تَقُولُ آتيكَ إما أن تعطي وإما أن تمنع.

وخطأ أن تَقُولُ: أظنكَ إمّا أن تُعطي وإمّا أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطي وإما أن تمنع. ولا تُدخلنّ «٢» (أو) عَلَى (إما) ولا (إما) عَلَى (أو) . وربما فعلت العرب ذَلِكَ لتآخيهما فِي المعنى عَلَى التوهّم فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناهض،


(١) آية ١٠٦ سورة التوبة.
(٢) يريد: لا تجعل أحد الحرفين فى الموضع الذي يصلح له الآخر.