للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجاز أن يقع الفعل بعد (أن) على قوله (فِي غيرهم) ، فدلّ ذلك على أن إضمار الواو فى (أن) لا يجوز.

وأما قول الشاعر:

فإياك المحاين أن تحينا

فإنه حذره فقال: إياك، ثُمَّ نوى الوقفة، ثُمَّ استأنف (المحاين) بأمر آخر، كأنه قال: احذر المحاين، ولو أراد مثل قوله: (إياك والباطل) لم يجز إلقاء الواو لأنه اسم أتبع اسما فِي نصبه، فكان بمنزلة قوله فِي [غير] «١» الأمر: أنت ورأيك وكل ثوب وثمنه، فكما لم يجز أنت رأيك، أو كل ثوب ثمنه فكذلك لا يجوز:

(إياك الباطل) وأنت تريد: إياك والباطل.

وقوله: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ... (٢٩٤)

وفي إحدى «٢» القراءتين: إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ.

والوجه فِي (إلا) أن ينصب ما بعدها إذا كان ما قبلها لا جحد فِيهِ، فإذا كان ما قبل إلا فِيهِ جحد جعلت ما بعدها تابعا لما قبلها معرفة كان أو نكرة. فأما المعرفة فقولك: ما ذهب الناس إلا زَيْدُ. وأما النكرة فقولك:

ما فيها أحد إلا غلامك، لم يأت هذا عن العرب إلا بإتباع ما بعد إلا ما قبلها. وقال اللَّه تبارك وتعالى: «مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» «٣» لأن فِي (فعلوه) اسما معرفة، فكان الرفع الوجه فِي الجحد الَّذِي ينفي الفعل عَنْهُمْ، ويثبته لما بعد إلا. وهي فِي قراءة أَبِي «٤» «ما فعلوه إلا قليلا» كأنه نفى الفعل وجعل ما بعد إلا كالمنقطع عن أول الكلام كقولك: ما قام القوم، اللهم إلّا رجلا أو رجلين.


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) هى قراءة ابن مسعود وأبىّ والأعمش كما فى البحر ٢/ ٢٦٦
(٣) آية ٦٦ سورة النساء.
(٤) وهى أيضا قراءة ابن عامر.