للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأدخلَ (إِلا) لأن الاعتلال فِي المنع كالإباء. ولو أراد علة صحيحة لَمْ تدخل إلا لأنها لَيْسَ فيها معنى جحد. والعرب تَقُولُ: أعوذ بالله إلا منك ومن مثلك لأن الاستعاذة كقولك: اللَّهُمَّ لا تفعل ذا بي.

وقوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (٣٤) ولم يقل: ينفقونهما. فإن شئت وجَّهْت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذَلِكَ. وإن شئت اكتفيتَ بذكر أحدهما من صاحبه كما قَالَ:

وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «١» فجعله للتجارة، وقوله: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً

«٢» فجعله- والله أعلم- للاثم، وقال الشاعر «٣» فِي مثل ذَلِكَ:

نحن بما عندنا وأنت بما عن ... دك راضٍ والرأي مختلفِ

ولم يقل: راضونَ، وقال الآخر:

إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي وَكَانَ وكنت غير غدور

ولم يقل: غَدورين، وَذَلِكَ لاتفاق المعنى يُكتفى بذكر الواحد. وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ «٤» إن شئت جعلته من ذَلِكَ: مما اكتفى ببعضه من بعض، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى فِي هَذَا الموضع ذُكِر لتعظيمه، والمعنى للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قَالَ: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ «٥» ألا ترى أنك قد تَقُولُ لعبدك «٦» : قد أعتقك الله وأعتقتك، فبدأت بالله تبارك وتعالى تفويضًا إِلَيْهِ وتعظيمًا لَهُ، وإِنَّما يقصد قَصْد نفسه.


(١) آية ١١ سورة الجمعة.
(٢) آية ١١٢ سورة النساء.
(٣) هو قيس بن الخطيم.
(٤) آية ٦٢ سورة التوبة.
(٥) آية ٣٧ سورة الأحزاب.
(٦) كذا فى أ. وفى ش، ج: «لعبد» .