للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ ... (٢٥٨)

وإدخال العرب (إلى) فِي هذا الموضع على جهة التعجب كما تقول للرجل:

أما ترى إلى هذا! والمعنى- والله أعلم-: هَلْ رَأَيْت مثل هذا أو رَأَيْت هكذا! والدليل على ذلك أنه قال: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ فكأنه قال: هَلْ رَأَيْت كمثل الَّذِي حاج إِبْرَاهِيم فِي ربه «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها» وهذا فِي جهته بمنزلة ما أخبرتك به فِي مالك وما منعك. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى: «قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ» «١» ثُمَّ قال تبارك وتعالى: «قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ» «٢» فجعل اللام جوابا وليست فِي أول الكلام. وذلك أنك إذا قلت: من صاحب هذه الدار؟

فقال لك القائل: هِيَ لزيد، فقد أجابك بما تريد. فقوله: زَيْدُ ولزيدٍ سواء فِي المعنى. فقال: أنشدني بعض بني عامر:

فأعلم أنني سأكون رمسًا ... إِذَا سار النواجع لا يسير «٣»

فقال السائرون لمن حفرتم ... فقال المخبرون لهم: وزير «٤»

ومثله فِي الكلام أن يقول لك الرجل: كيف أصبحت؟ فتقول أنت: صالح، بالرفع، ولو أجبته على نفس كلمته لقلت: صالحا. فكفاك إخبارك عن حالك من أن تلزم كلمته. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى «مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ


(١) آية ٨٥ سورة المؤمنين.
(٢) آية ٨٦ سورة المؤمنين.
(٣) «رمسا» أى مدفونا. والرمس فى الأصل الستر والدفن، فأطلق على اسم المفعول. ومن معانى الرمس التراب على القبر تعفوه المريح، ويجوز أن يراد هنا، أى يستحيل بعد ترابا. و «النواجع» جمع الناجعة، يريد الفرقة الناجعة أو القوم الناجعة، والناجع الذى يقصد بإبله المرعى والكلأ حيث يكون.
(٤) وزير اسم الشاعر.