للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصبح رَآه أسود، فقال أعبدًا سائر الليلة، كأنه قَالَ: ألا أراني أسَرْت عبدًا منذ ليلتى. وقال آخر:

أجخفا تميميًّا إِذَا فتنة خَبَتْ ... وجُبْنًا إِذَا ما المشرفيّة سُلَّت «١»

فهذا فِي كل تعجُّب خَاطَبُوا صاحبه، فإذا كَانَ يتعجب من شيء ويُخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا: أثعلب ورجل يفرّ منه، لأن هَذَا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب عَلَى قوله أيفرّ رَجُل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السَّابق. يُبْنَى عَلَى هذا. وسمعتُ بعض بني عُقَيل ينشد لِمجنون بني عَامِر:

أألبرق أم نارا لليلى بدت لنَا ... بِمُنْخَرقٍ من سَارياتِ الجنائبِ

وأنشدني فيها:

بَلِ البرقَ يبدو فِي ذرَى دفئية ... يضيء نشاصًا مشمخرّ الْغَواربِ

وأنشدني فيها:

ولو نارَ ليلى بالشريف بدت لنا ... لحُبَّت إلينا نارُ من لَمْ يصاقِب

فنصب كل هَذَا ومعه فعله عَلَى إضمار فعل منه، كأنه قَالَ أأرى نارًا بَلْ أرى البرق. وكأنه قَالَ.

ولو رأيتُ نار ليلى. وكذلك الآيتان الآخريان فِي قوله (أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ) .

وقوله: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [٦٥] رفعت ما بعد (إلا) لأن فِي الَّذِي قبلها جحدًا وهو مرفوع. ولو نصبت كَانَ صوابًا. وَفِي إحدى القراءتين (ما فعلوهُ «٢» إلا قليلًا منهم) بالنصب. وَفِي قراءتنا بالرفع. وكل صواب، هَذَا إِذَا كَانَ الجحد الَّذِي قبل إلا مع أسماء معرفة «٣» فإذا كَانَ مع نكرة لَمْ يقولوا إلا الإتباع لِمَا قبل (إلّا) فيقولون: ما ذهب أحد إلّا


(١) الجخف أن يفتخر بأكثر مما عنده. والمشرفية: السيوف.
(٢) الآية ٦٦ سورة النساء وقراءة النصب لابن عامر
(٣) ش: «معروفة»