للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأنه قَالَ: والذي تحملين طليق. والرفع الآخر أن تجعل كل استفهام أوقعت عليه فعلا بعده رفعا لأن الفعل لا يجوز تقديمه قبل الاستفهام، فجعلوه بمنزلة الَّذِي إذ لم يعمل فِيهِ «١» الفعل الَّذِي يكون بعدها. ألا ترى أنك تقول: الَّذِي ضربت أخوك، فيكون الَّذِي فِي موضع رفع بالأخ، ولا يقع الفعل الَّذِي يليها عليها.

فإذا نويت ذلك رفعت قوله: قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ كما قال الشاعر:

ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضى أم ضلال وباطل «٢»

رفع النحب لأنه نوى أن يجعل «ما» فِي موضع رفع. ولو قال: أنحبا فيقضي أم ضلالا وباطلا كان أبين فِي كلام العرب. وأكثر العرب تقول: وأيهم لم أضرب وأيهم إلا قد ضربت رفعا للعلة من الاستئناف من حروف الاستفهام وألا يسبقها شيء.

ومما يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخر عَنْهُ الفعل الَّذِي يقع عليه قولهم: كل الناس ضربت. وذلك أن فِي (كل) مثل معنى هَلْ أحد [إلا] «٣» ضربت، ومثل معنى أي رَجُل لم أضرب، وأي بلدة لم أدخل ألا ترى أنك إذا قلت: كل الناس ضربت كان فيها معنى: ما منهم أحد إلا قد ضربت، ومعنى أيهم لم أضرب. وأنشدني أَبُو ثروان:

وقالوا تعرفها المنازل من منى ... وما كل من يغشى منى أَنَا عارف «٤»


(١) فى الخزانة ٢/ ٥٥٧: «فيها» وهذا أولى لقوله: «بعدها» .
(٢) من قصيدة للبيد، ومنها البيت المشهور:
ألا كل شىء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
وانظر الخزانة ٢/ ٥٥٦
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) لمزاحم العقيلىّ من قصيدة غزلية. وانظر الكتاب ١/ ٣٦، ٣٧، وشواهد المغنى للبغدادى ٢/ ١٠٧٥