للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنك تَقُولُ: قد جعلت لنفسك كذا وكذا، ولا تَقُولُ: قد جعلت لك. وكل فعل أو خافض ذكرته من مكني عائد عَلَيْهِ مكنيًّا فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فنقول أنت لنفسك لا لغيرك، ثُمَّ تَقُولُ فِي المنصوب أنت قتلت نفسك وَفِي المرفوع أهلكتْكَ نفسك ولا تَقُولُ أهْلَكتك.

وإنَّما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلم وغيره. فإذا كَانَ الفعل واقعًا من مكنيّ عَلَى مكنيّ سواه لَمْ تُدخل النفس. تَقُولُ غلامك أهلك مالك ثُمَّ تكني عَن الغلام والمال فتقول: هُوَ أهلكه، ولا تَقُولُ: هُوَ أهلك نفسه وأنت تريدُ المال، وقد تقوله العرب فِي ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون: أظنُّني قائِمًا، ووجدتُني صالِحًا لنقصانِهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم. وربما اضطر الشاعر فقال: عدمتُني وفقدتُني فهو جائز، وإن كَانَ قليلًا قَالَ الشاعر- وهو جِرَان الْعَوْد-:

لقد كَانَ بي عَن ضَرَّتين عدِمتُني ... وعمَا ألاقي منهما متَزحَزَح

هي الْغُول والسعلاة حَلْقي منهما ... مُخَدَّشُ ما فوق التراقي مكدَّح

وقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [٥٨] ولو كَانَ (ظل وجهه مسودٌّ) لكان صوابًا تجعل الظّلول للرجل ويكون «١» الوجه ومسود فِي موضع نصب كما قَالَ (وَيَوْمَ «٢» الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) والظلول إذا قلت [٩٦ ا] (مُسْوَدًّا) للوجه.

وقوله: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ [٥٩] الْهُون فِي لغة قريش: الهوان وبعض بني تَميم يجعل الهون مصدرًا للشيء الهين. قَالَ الْكِسَائي: سمعتُ العرب تَقُولُ: إن كنت لقليل هون المئونة مذ اليوم. وقال: سمعت


(١) فى ش، ر «قد يكون» .
(٢) الآية ٦٠ سورة الزمر.