للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَصّ قصة الصالِح بالنداء، كما تَقُولُ فِي الكلام: فلان لا يصلّى ولا يصوم فيامن يُصلي ويصوم أبشر فهذا هُوَ معناه. والله أعلم.

وقد تكون الألف استفهامًا بتأويل أم لأن العرب قد تضع (أَمْ) فِي موضع الألف إِذَا سَبَقَها كلام، قد وصفت من ذَلِكَ ما يُكتفى بِهِ. فيكون المعنى أمَن هُوَ قانت (خفيف) كالأول الَّذِي ذُكِرَ بالنسيان والكفر.

ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف. وهو الوجه: أن تجعل أم إِذَا كانت مردودة عَلَى معنى قد سَبق قلتها بأم. وقد قرأ بِهَا الْحَسَن وَعَاصِم وَأَبُو جَعْفَر المدني. يريدون: أمْ مَنْ. والعرب تَقُولُ: كَانَ هَذَا حين قلت: أأخوكَ أم الذئب. تقال هَذِه الكلمة بعد المغرب إِذَا رأيت الشخص فلم تَدْر ما هُوَ. ومنه قولك: أَفتِلكَ أم وَحْشِيّة، وقولك أذلك أم جأْب «١» يطارد أُتنا «٢» .

فإن قَالَ قائل فأين جواب (أَمَّنْ هُوَ) فقد تبيّن فِي الكلام أَنَّهُ مضمر، قد جرى معناه فِي أوّل الكلمة، إذ ذكر الضال ثُمَّ ذكر المهتدي بالاستفهام فهو دليلٌ عَلَى أَنَّهُ يريد: أهذا مثل هَذَا أو أهذا أفضل أم هَذَا. ومن لَمْ يعرف مذاهب العرب ويتبين لَهُ المعنى فِي هَذَا وشبهه لَمْ يكتف ولم يشتف ألا ترى قول الشَّاعِر:

فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه ... سِوَاك ولكن لَمْ نَجد لك مَدْفعَا

أنّ معناهُ: لو أتانا رسولُ غيرِك لدفعنَاهُ، فعلم المعنى ولم يُظهر. وجرى قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) «٣» عَلَى مثل هَذَا.

وقوله (آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) نُصِب عَلَى قوله: يَقنت ساجدًا مرة وقائمًا مرة، أي مطيع فِي الحالين. ولو رفع كما رُفعَ القانت كَانَ صوابًا. والقنوت: الطاعة.


(١) الجأب: الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة.
(٢) الجأب: الحمار الغليظ من حمار الوحش والأتن جمع أتان وهى الحمارة.
(٣) فى الآية ٢٢ من هذه السورة.