للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أنواع الشفاعة]

أولها: شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم، وتدخل فيها صور، أولها: شفاعته للخلائق يوم القيامة بأن يفصل الله بينهم للقضاء، وهذا ورد فيه حديث طويل في الصحيح تضمن من مشاهد القيامة ما يوقظ القلوب الحية، كما امتلأت الأحاديث في ذلك بالعبر والعظات والتي تجعل العبد قريباً من الله عز وجل وأن يحبه ويتقيه ويخشاه، فهذه الشفاعة العظمى والكبرى هي أعظم الشفاعات، لأن البشر يوم القيامة يُحشرون طويلاً في يوم عصيب تدنو منهم الشمس، ويرون جهنم تزفر أمامهم، ويشاهدون من المشاهد المروعة ما لولا أن الله كتب عليهم ألا يموتوا لماتوا، ويكون الحشر طويلاً جداً، ثم بعد ذلك يموج بعضهم في بعض ويبحثون عمن يشفع لهم أمام الله عز وجل؛ لأن الباري سبحانه يغضب ذلك اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فالبشر أمام الله عز وجل حينما استبانت لهم الحقيقة ورأوا أنهم فرطوا في دنياهم بأعمالهم لم يكن لهم على الله عز وجل حجة أن يقولوا أو أن يطلبوا، فذهبوا يطلبون ممن هم أقرب إلى الله، فظنوا أن آدم لأنه أبو البشر فهو الذي يشفع لهم إلى الله، فذهبوا إليه فاعتذر، ثم ذهبوا إلى نوح فاعتذر، ثم ذهبوا إلى إبراهيم وموسى فاعتذرا ثم إلى عيسى عليه السلام، فقال لهم: اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه عبد قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهنا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية، لأن العبودية لله عز وجل ليست ذلة، لكن العبودية للخلق إذلال، أما العبودية لله فهي تمام العز، ولذلك فأعظم مقام شرّف الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو عبوديته لله العبودية الكاملة، فالنبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله لم ينس حق ربه عز وجل، بل استشعر هيبة الله وعظمة الله فذهب يدعو طويلاً يستأذن ربه عز وجل في أن يأذن له بالشفاعة، فيسجد تحت العرش ويدعو طويلاً طويلاً، ويدعو الله بمحامد يلهمه الله إياها، حتى يقول له الله عز وجل: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع، وهذا والله هو المقام العظيم والوسيلة التي وعد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا المقام المحمود مع أنه قد يدخل فيه غيره أيضاً، فالشاهد أن هذه أعظم شفاعة، وهي أن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للخلائق في أن يفصل الله بينهم للقضاء، ثم بعد ذلك تتوالى شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم مثل شفاعته لأهل الكبائر، وشفاعاته لبعض أهل الجنة أن تعظّم درجاتهم فيها، وشفاعاته لناس استوت حسناتهم وسيئاتهم إلى آخره، فالنبي صلى الله عليه وسلم له شفاعات حسب ما ثبت في النصوص، ثم بعد ذلك يشفع النبيون، ويشفع الملائكة، ويشفع الصالحون والمؤمنون، وورد لبعض أفراد الناس شفاعات، فالقرآن له شفاعة لأصحابه ولقرّائه، والصيام له شفاعة، وكذلك الشهداء -إن ثبت النص- لهم شفاعة، وأطفال المؤمنين لهم نوع شفاعة.

إذاً: الشفاعات تكون لمن أذن الله لهم ولا تكون إلا لمؤمنين صالحين وكما جاء تفصيله في الأدلة الصحيحة، ولا يجوز أن ندعي شفاعة لم يرد بها الشرع؛ لأن الشفاعة هي إذن من الله عز وجل، ولا يمكن أن نفترض شفاعة من أنفسنا أو نقول على الله بغير علم، أو ندّعي أن هناك لأحد من الخلق شفاعات لم تثبت، نعم! الشفاعات المطلقة ثابتة، أما كيف تكون فالله أعلم، فمثلاً: شفاعات المؤمنين كيف تكون؟ الله أعلم، وشفاعات الصالحين كيف تكون؟ الله أعلم، فلا نفترض لها صوراً؛ لأنها غيبية وتحدث يوم القيامة.

ثم إن هذه الشفاعات يجب ألا تفتح باباً للمخلوقين في الحياة الدنيا أحياءً أو أمواتاً؛ لأن الشفاعات إنما تكون يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>