قال المؤلف حفظه الله تعالى:[الرابع عشر: المؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه].
هذه قاعدة عظيمة وهي أن المؤمنين كلهم لهم حقوق، والمؤمن أخص من المسلم؛ لأن الإسلام قد يكون مجرد الخضوع الظاهر للدين فيدخل فيه المنافق، ونظراً لأن هذه أمور لا يعلمها إلا الله عز وجل فالوصف الذي يجمع الصالحين من المسلمين هو الإيمان، والمؤمنون هم المسلمون الذين شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتحقق فيهم ولو أدنى الإيمان، ومن هنا يخرج المنافق الخالص الذي ليس فيه خصلة من النفاق، وتبقى القاعدة للمؤمنين، فمن عنده أدنى ذرة من الإيمان يبقى له هذا الحق، وهو الولاية لله عز وجل، فكل مؤمن فيه من الولاية لله بقدر ما فيه من الإيمان والاستقامة، فمن زاد إيمانه واستقامته والتزامه لدين الله وشرعه زادت ولايته لله، ومن نقصت نقصت، ومن اختلت اختلت، ولكن لا يُعدم المؤمن من وجود ولاية بقدر إيمانه.
وقد يقول قائل: هل الفسّاق والفُجّار وأهل البدع فيهم ولاية لله؟ نقول: نعم، إذا كان عندهم شيء من الإيمان الصادق لله عز وجل، وشيء من محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم والتزام واجبات الإسلام وفرائضه، ففيهم من الولاية بقدر ما فيهم من هذا الخير، وإن كان عندهم فسق وفجور، وبالعكس فإن كل مؤمن تنقص ولايته بقدر ما يرتكب من المخالفات، فإن نقص إيمانه نقصت ولايته، بأن عمل الفسق أو الفجور أو المعاصي نقصت ولايته، لكن لا تنعدم، وعلى هذا فكل مؤمن فيه من الولاية بقدر إيمانه.
ومسألة الولاية غير مسألة الولاء والبراء، فالولاء والبراء نتيجة، والولاية أصل؛ لأن الولاية تلزم كل مؤمن، والولاء والبراء عبارة عن استثمار اعتقادي وعلمي وسلوكي بهذا الإيمان عند المؤمن.
إذاً: كل مؤمن ممن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو على أصل الإسلام فإن له من الولاية لله بقدر إيمانه، فمتى ما نقص الإيمان سواء كان الإيمان علمياً أو عملياً أو اعتقادياً نقصت الولاية، ومتى ما زاد زادت، ولذلك قد يكون المؤمن من خلّص أولياء الله إذا كان قائماً بالفرائض وبالواجبات، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، ملازماً للاستقامة قدر استطاعته، لأن الاستقامة مشروطة بالاستطاعة فهذا بإذن الله يكون من أولياء الله، فالولاية الخالصة تحدث في مثل ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأولياء بقوله عن الله عز وجل في الحديث القدسي:(ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) هذه هي الولاية، المحبة الكاملة:(فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) ولا يحصل هذا إلا لأصحاب الدرجة العالية، وكل مسلم يستطيع أن يتطلع إلى هذا ويصل إليه بإذن الله إذا بذل الأسباب، ولذلك يجب على المسلم دائماً أن يسعى إلى مثل هذا المقام، وهو ليس بصعب بل يسير، وهو طريق أمن وسعادة، وطريق هناء وطريق سهل جداً، ولكن يحتاج إلى عزيمة وترويض للنفس، فمن عزم وروض نفسه واستقام على دين الله وعلى ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم فبإذن الله يصل إلى هذه الولاية بسهولة.