للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قاعدة التسليم المطلق للنصوص الشرعية]

قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس، ولا ذوق، ولا كشف، ولا قول شيخ، ولا إمام ونحو ذلك].

الشرح: هذه القاعدة تتعلق بأساس الاعتقاد في قلب المسلم ومشاعره وجوارحه، فالدين أصلاً الدين كله جملة وتفصيلاً مبدأه يقوم على التسليم تسليم القلب والجوارح إذعان القلب والجوارح تصديق القلب، وظهور ثمار هذا التصديق على سلوكيات الإنسان وأعماله، سواء في علاقته بربه عز وجل، فيجب على المسلم أن يكون في علاقته بربه على كمال التسليم والتصديق والإذعان والرضا والمحبة لله عز وجل والخوف والرجاء؛ لأن التسليم لله تعالى يبدأ من القلب، ثم تتبين آثاره بالضرورة على الجوارح: على اللسان على الأعمال في الفرائض الأعمال في العبادات الأعمال في الأخلاق الأعمال في التعامل، وكل هذه المسائل تنطلق من التسليم؛ ولذلك سمي الإسلام إسلاماً؛ لأن مبناه على التسليم لله عز وجل بالطاعة والمحبة والانقياد له، ونظراً لأن التسليم يبدأ بالقلب فإن قاعدة التسليم الأساسية هي محبة الله عز وجل المحبة الحقيقية، ثم الرجاء والخوف والخشية.

إن المقصود من تعلم العقيدة التسليم لله عز وجل أولاً، ثم إذعان القلب وتوجهه إلى الله عز وجل بالتأله، وهذا معنى لا إله إلا الله، أن يتأله القلب بعد التسليم والإذعان والرضا، أن يتأله لله محبة وانجذاباً وحباً لما يرضي الله عز وجل وأن يبتعد عما يغضب الله، فالتسليم هو استسلام القلب، وينبني على استسلام القلب استسلام الجوارح؛ ولذلك من ادعى أنه مسلِّم لله بقلبه ولكن جوارحه لم تستسلم، لم يقم الفرائض لم يعمل بالواجبات لم ينته عن المنهيات، فدعواه كاذبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١]، ومن هنا يجب أن نستشعر دائماً عندما نقرأ العقيدة وندرسها ونتعلمها أن نقصد بذلك تعظيم الله عز وجل، وأن تظهر المعاني الإيمانية في القلب والسلوك، وإلا فإن الأمر يصبح مجرد دعوى.

ثم ينبني بالضرورة على التسليم لله عز وجل التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، والتسليم للرسول صلى الله عليه وسلم له مقتضيات ولوازم ضرورية، من لم يعمل بها فهو كاذب وأول ذلك محبته صلى الله عليه وسلم المحبة الكاملة التي يكون النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحب إلى المسلم من نفسه ومن ولده ومن ماله والناس أجمعين، وهذه الدرجة لا بد منها لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب هدايتك، ولو وكلك الله إلى نفسك وجهدك لهلكت، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب الهداية؛ ولذلك تقدمه على نفسك، ثم يستلزم من ذلك التسليم والطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم بعد محبته، لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم إضافة إلى أنها استجابة لأمر الله؛ لأن الله أمر بطاعته، فهي كذلك من مقتضى المحبة؛ لأنك إذا أحببت شيئاً تعلقت به وسعيت إلى ما يرضيه، فكيف بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي دين؟ فإنك إذا أحببت النبي صلى الله عليه وسلم وادعيت ذلك فلا بد من تحقيق مصداقية الدعوى، بأن تكون متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلم في سنته حريصاً على تطبيق ما يقول وما يفعل وما يرشد به قدر الاستطاعة.

والأمور القلبية في حق الله تعالى وفي حق النبي صلى الله عليه وسلم لا يعذر بها أحد، وكل مسلم يجب أن يحب الله وأن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الأعمال هي التي بقدر الاستطاعة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦].

إذاً: معنى التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم: أن تتبعه قدر ما تستطيع، وأن تعمل بسنته، وأن تسعى إلى ما يرضيه، وأن تحب ما يحبه، وأن تحب من يحبهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب فضائل الأعمال ويكره رذائل الأعمال، ويحب الصحابة والصالحين، فيجب على المسلم تسليماً للرسول صلى الله عليه وسلم أن يعمل بذلك، ظاهراً وباطناً، أن يكون التسليم قلبياً وظاهرياً، فالتسليم والإذعان واليقين والتصديق والمحبة هذا هو الباطن، أما الظاهر فهو أن يظهر دلالات التسليم على الأعمال كلها، في أداء الفرائض والواجبات والسنن والنوافل، وفي السيرة والسلوك، وفي تعاملك مع ربك عز وجل وفي تعاملك مع حق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي تعاملك مع صالح الأمة من الصحابة والتابعين وسلف الأمة، ومع تعاملك مع العلماء، ثم مع تعاملك مع الولاة ومن لهم حق الولاية تعاملك مع والديك ومع الآخرين ومع جميع الناس ومع البشرية جمعاء، لا بد أن يظهر مصداق التسليم في التعامل الظاهري، ولا بد أن يجتمع هذا وذاك، فلو أن إنساناً ظاهره الإسلام والتسليم لكن باطنه ليس كذلك فهو منافق، والعكس كذلك من ادعى أنه في الباطن مسلم لله عز وجل ولم يظهر ذلك على أعماله فهو زنديق خارج من مقتضى الإسلام؛ لأن الإسلام ليس مجرد دعوى، الإسلام حقيقة علمية وعملية، عقدية ومنهجية، فلا بد أن يكون ذلك ظاهراً وباطناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>