إذا كانت طالبة تستمع إلى طالبة وهي تقرأ القرآن الكريم، ولكن عندما تشكل عليها آية أو تستصعب آية في حفظها تشير إلى بعض أجزاء الجسم، وإذا كان اسم من أسماء الله مثلاً أشارت إلى الأذن أو إلى البصر أنه سميع بصير من باب التطبيق، فهل هذا يقدح في العقيدة أو فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى؟ وهل الجارية التي يسألها الرسول صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فأشارت إلى السماء، هل هذا فيه معنى التوجه أو الاتجاه؟
الجواب
ما يتعلق بالإشارة إلى مواطن وأماكن الصفات في الإنسان عندما تورد أسماء الله وصفاته في القرآن حين التلاوة أو حين تذكر في القرآن أو في السنة أو كتب أهل العلم، فيه عدة محاذير: أولاً: يشعر بالتشبيه وبالتمثيل، والله عز وجل ليس كمثله شيء.
ثانياً: يوهم المبتدئ وطالب العلم غير المتمكن في العقيدة بل عامة المسلمين بأمور تدخل في أوهامهم وليست لائقة.
ثالثاً: أنه سوء أدب مع الله عز وجل.
رابعاً: أن هذا الأمر لو اتخذ لأدى إلى فتنة عظيمة، فتنة الناس في التعلق بالمخلوقات من خلال صفات الخالق عز وجل، وهذا باب بدعة وفتنة يجب سده، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار أحياناً عندما ذكر بعض الصفات إما إلى أصبعه أو إلى كفه، أو أقر من فعل ذلك، لكن هذا ليس شرطاً في رواية الحديث، والمسألة على خلاف عند أئمة الحديث، فهل نروي الحديث كما رواه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيصبح هذا موقوفاً على ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لا نزيد عليه، وعليه فإن أئمة الحديث المعتبرين يرون أن هذا لا يجوز، خاصة بعد أن خاض الناس في أسماء الله وصفاته، وبعدما وجد من يسمون بالمجسمة والممثلة الذين قالوا الكفر العظيم في تجسيم الله وتمثيله، فإنه لما وجد هذا فإنه يجب أن يحذر منه.
وإثبات الصفات لله عز وجل كما هو مذهب السلف ليس تجسيماً ولا تمثيلاً، وربما يقفز إلى أذهان بعض الناس أن إثبات الصفات لله عز وجل كما يفعل السلف أنه تجسيم وهذا خطأ، لأن التجسيم: هو اعتقاد أن لله عز وجل صفات مثل صفات المخلوقين، ويسمى التمثيل على الاصطلاح الشرعي.
فهذا الأمر يجب تجنبه؛ ولذلك أثر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه بعدما صارت فتنة الجهمية وصاروا يخوضون في هذه الأمور، أنه لما روى أحد طلاب العلم عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أقر فيه رفع الأصبع في ذكر بعض أفعال الله عز وجل، قال الإمام أحمد: قطعها الله من أصبع؛ لأنه رأى أن هذا يشوش على الناس، والحاضرون ليسوا كلهم من أهل العلم الذين يفقهون.
أما إشارة الجارية إلى السماء، فلا شك أن هذا دليل قطعي فطري على علو الله عز وجل؛ لأن الجارية سئلت سؤالاً مفاجئاً من النبي صلى الله عليه وسلم وهو المشرع، وأجابت جواباً بيناً واضحاً، وهذا كان في مقام التشريع، والنبي صلى الله عليه وسلم مشرع في أمر يتعلق بالله عز وجل، فحينما سألها: أين الله؟ أشارت إلى السماء، فهذا تقرير دين يجب أن ندين الله به، وأن الله موصوف بالعلو بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، لكن لا يعني ذلك أن نستعمل هذه الكلمة دائماً في امتحان الناس كما يفعل بعض الجاهلين إذا أراد أن يختبر أحداً من المسلمين في صلاح أو استقامة عقيدته ذهب يسأله هذا السؤال، فهذا مصدر فتنة؛ لأنه ليس كل أحد يعرف هذه السنة، وليس كل أحد يعرف كيف يجيب، فلا ينبغي السؤال إلا في مثل المقام الذي حدث أو السبب الذي حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مقيداً بتلك الشروط إن جاز فعله.