القدر كثرت النزاعات والشبهات التي ترد على المسلم فيه، سواء كان شبهات ذاتية تنشأ من وساوس الشيطان، أو من التخييل أو من أحلام بعض الأمراض النفسية وغيرها؛ لأن الإنسان أكثر ما يتعرض في مسألة الغيبيات من وساوس القدر، سواء كانت شبهات ترد من الآخرين، أو مما يسمع أو مما يقرأ، أو شبهات تنشأ من نفسه أو من عبث الشيطان به.
فلذلك سأركز على الممارسات الخاطئة تجاه القدر؛ خاصة فيما يتعلق بالأوهام والوساوس، فأولاً: ينبغي لكل مسلم أن يعتقد أن الله قدّر كل شيء، فكل شيء هو بتقدير الله الخير أو الشر، وبعض المسلمين يتساءل وهذا السؤال ينشأ عنه ضلالات وقعت فيها أمم كبرى في التاريخ كالمجوسية وطوائف من أهل الكتاب وغيرها من الأمم الضالة الكثيرة التي أخطأت في تصور معين، حيث زعموا أنه لا يُنسب تقدير الشر إلى الله عز وجل زعماً منهم أن هذا لا يليق، وما علموا أن هذا استنقاص لله عز وجل؛ لأنه ما دام الشر موجوداً فلا بد أن يكون له موجد، فإذا ما كان الله عز وجل أوجده ابتلاء وفتنة فيكون هناك خالق آخر مع الله، وهذا لا يقر به عاقل ولا صاحب فطرة سليمة ولا يمكن أن يرد في ذهن الإنسان.
فالإيمان بالقدر يعني أن الله عز وجل قدّر كل شيء، وهو خالق كل شيء، لكن لماذا قدر الخير والشر؟ ولماذا لم يقدر الخير كله؟ هذا لحكمة بعضها ظاهر وبعضها غير ظاهر، أما الظاهر فيتبين بمثل قوله عز وجل:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:٣٥] فهذا ابتلاء وامتحان؛ ليميز الله الخبيث من الطيب، ولذلك فإن الله عز وجل قرر هذا باستنهاض الفطرة واستنهاض العقل السليم في أسئلة ومقدمات عقلية مبسطة سهلة جداً تقرر عند الإنسان التمييز بين الحق والباطل، وتقرر عند الإنسان الحكمة من الله عز وجل في التمييز بين الشر والخير، وأن الله عز وجل أوجد هذا وهذا ليميز الخبيث من الطيب، مثل قوله عز وجل:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}[القلم:٣٥]، وكقوله عز وجل:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ}[السجدة:١٨]، ثم إن الله عز وجل أعطى الإنسان بفطرته الفوارق بين الخير من حيث منشأه ومن حيث الوقوع فيه، ومن حيث نتيجته، وبين الشر من حيث منشأه والوقوع فيه ونتيجته، قد يجدها كل صاحب فطرة، وهذا عند كل إنسان حتى الذين لا يلتزمون الأديان نجد عندهم بقايا من ثوابت عقلية وفطرية يميزون فيها بين الخير والشر بين الرذيلة والفضيلة، ويدركون أن هناك حكمة من وجود هذا وذاك، فلو لم يوجد الشر لم يتميز الخير، ولو لم يوجد الباطل لم يتميز الحق والهدى وهكذا إذاً: يرجع ذلك كله لحكمة القدر خيره وشره من الله عز وجل، وأن الله عز وجل مقدر كل شيء، وأنه ينبني على وجود الإيمان بجميع مراتب القدر الأربع، وبهذا تكتمل عند المسلم القناعة التامة واليقين التام إن شاء الله في أن الله بيده مقاليد كل شيء، وذلك راجع إلى المراتب الأربع التي هي: أن تؤمن وتجزم بأن الله عليم بكل شيء، فهو بكل شيء عليم سبحانه ما كان وما يكون وما سيكون لو كان كيف يكون، عليم بالدقيق والجليل لا تخفى عليه خافية سبحانه، عليم ليس بما في الصدور فقط، بل حتى بذات الصدور، وهي أعمق مما في الصدور، فهو لا يخفى عليه شيء {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤] وهذا أمر بدهي، ثم بعد ذلك أن الله كتب مقادير كل شيء: الخير والشر، ثم إن الله عز وجل شاء كل شيء وأراده، فكل شيء فهو بمشيئة الله وإرادته، ثم إن الله خالق كل شيء هذه المراتب الأربع إذا استشعرها المسلم وغرسها في قلبه يسلم من كثير من قرائن الشبهات في القدر، ووساوس الشيطان.
ثم إن من أساسيات القدر أن تعلم أنه عز وجل لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، أي: لا يتعقبه أحد، ولا أحد يقول: لماذا، وكيف؟