قال المؤلف حفظه الله تعالى:[ثالثاً: القول بأن كلام الله معنى نفسي، أو أن القرآن حكاية أو عبارة، أو مجاز أو فيض وما أشبهها ضلال وزيغ، وقد يكون كفراً، والقول بأن القرآن مخلوق كفر].
الشرح: يعني بذلك ما قالته بعض الفرق التي خرجت عن نهج السنة والقرآن ونهج الصحابة والتابعين وسلف الأمة في تقرير مسلّمات الدين وثوابته، وفي تقرير الحق فيما يتعلق بكلام الله عز وجل أو صفة من صفاته عموماً، وبالقرآن على وجه الخصوص؛ لأنه عندما ظهرت هذه الأهواء والفرق كان منشأها الجرأة على تقرير الدين بمجرد الرأي، والجرأة على إدخال مسالك الفلاسفة التي تنبني على الأوهام والتخرصات في أمور الغيبيات وإدخالها على المسلمين، فنشأت مذاهب تتكلم في أمور فوق مدارك البشر، منها: التعبير عن كلام الله عز وجل، فمنهم من قال: إن كلام الله معنى نفسي، وهذه بدعة، فإن كلام الله حقيقة، وهم أرادوا بقولهم: إنه معنى نفسي أن يهربوا من أن يكون الله عز وجل تكلم حقيقة كما يليق بجلاله، فقالوا: إن كلام الله إنما هو معانٍ نفسية فهمها جبريل أو غيره من الملائكة، أو أن الله عز وجل حوّلها بطريقة أخرى فتمثلت في حروف وأصوات لم يتكلم بها الله، بمعنى أنهم يزعمون أن القرآن والكلام معان، والله عز وجل لم يتكلم بها إنما تكلم بها غيره تعبيراً عن مراد الله وهذا كله خروج عن إثبات الصفة لله سبحانه، وذلك مثل القول بأن القرآن حكاية أو عبارة عن كلام الله، وهذا هروب أيضاً من إثبات كلام الله، وكأنهم زعموا أن القرآن ترجمة وحكاية عن كلام الله، وهذا فيه استنقاص لله عز وجل، وفيه أيضاً استهانة بالقرآن.
وقوله:(حكاية أو عبارة أو مجاز أو فيض) الفيض معنى فلسفي يقصد أصحابه به أنها معانٍ فاضت على عقول معينة، وهذه العقول تحولت منها المعاني إلى أن ترجمها المتكلمون ممن تكلموا سواء كانوا من الملائكة أو البشر، أو أنها خلقت أصواتاً، أو أن أصحاب العقول عبروا بها عن كلام الله بكلام البشر إلى آخره.
فكلها فلسفات تبعد المسلم عن اليقين، وعن حلاوة الإيمان وتوقعه في الإثم والبدعة، وكل ذلك ضلال وزيغ.
ومن النتائج السلبية لمثل هذه المقالات لو أن مسلماً لا قدّر الله دخلت عليه هذه الشبهة، وتصور أن الله عز وجل لم يتكلم بالقرآن، وأن الذي تكلم به غيره، فهل يبقى للقرآن قداسة؛ لأن هذا الغير الذي تكلم بالقرآن هو مخلوق حتى وإن كان جبريل كما يقول بعضهم، فإذا استشعر المسلم أن الذي تكلم بالقرآن هو جبريل لم يكن للقرآن قداسة وعصمة؛ لأن جبريل مخلوق، ولذلك فإن هذه الفرق التي أخذت هذه البدع والضلالات استهانت بالقرآن، وجرأت على تأويله على غير التأويل الشرعي، وجرأت على القول بأن القرآن مجازات وأنه معانٍ غير مقصودة، وأنه إشارات وجرأت أهل التأويل من الباطنية على القرآن؛ لأنهم لا يعتقدون أنه كلام الله، فمن هنا يفقد العصمة والقداسة والإجلال، ولا شك أن المسلم الذي يشعر أن القرآن الذي بين أيدينا المتلو هو كلام الله على ما يليق بجلاله، فإذا استشعر المسلم هذا المعنى عظّم القرآن وهاب أن يتجرأ عليه، لكن إذا استشعر أنه معانٍ عبّر عنه خلق من خلق الله فصارت قرآناً، فإن هذا ينقص من قيمة القرآن بالفطرة ومقتضى العقل السليم.