قال المؤلف حفظه الله تعالى:[الثالث عشر: الوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدها، فإن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة].
الأصل في الدين أنه شرع من الله عز وجل سواء مما ورد في كتاب الله أو ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدين كله عقيدة وأحكام وسلوك وتعامل فكل من شرع منه ما لم يأذن به الله فقد ابتدع، وكل محدثة أحدثها الناس وتدينوا بها وتقربوا بها إلى الله وهي ليست من القربات فهي مما يجب رده، وبعض الناس قد يقع في أمور تؤدي إلى البدعة أو الشرك وهو لا يشعر، فعلى هذا فجميع الأمور التي تكون وسيلة إلى الوقوع في البدعة أو وسيلة إلى الوقوع في الشرك فلابد من صدها، وعلى سبيل المثال: الاحتفالات السنوية إما بميلاد الابن أو بمناسبة دنيوية عامة، فيجعل الاحتفال بها التزاماً، فإذا التزم ذلك صار ذريعة إلى البدعة ويتقرر عنده أن هذا المعتاد يجب ألا يترك، ثم يأتي أجيال من الناس يعتبرون أن تركه خطأ، فمن هنا يتعبدون به من حيث لا يشعرون، وأعظم البدع سواء كانت بدعاً قولية أو غيرها بدأت من التساهل وقد لا يقصد الناس بداية الالتزام بها والتعبد، ولكن حين يلتزمونها ويلزمون أنفسهم يكون ذلك على سبيل التعبد، فمثلاً بعض المسلمين بدءوا يحتفلون برأس السنة الهجرية، وصار يهنئ بعضهم بعضاً وكأنه في عيد حتى أن بعضهم أصبح يطلق عليها لقب العيد.
فبعض الناس اتخذوا هذه ذريعة للبدعة، وبعضهم وقع في البدعة، أما الذي اتخذ الذريعة للبدعة فذلك الذي أصبح يهنئ ويحتفي بها مع أن أمر الهجرة مهم لكن أصبح يحتفي ويلتزم أنه في ذلك التاريخ ويهنئ من حوله بهذه المناسبة بل ويدعو إلى ذلك ويعتبر هذا من الأمور اللازمة، ثم بعد ذلك تأتي أجيال لا تتخلص من هذا الأمر فتتعبد به، والدليل على هذا أن كثيراً من الناس إذا أنكرت عليه اعتبر هذا موقفاً غريباً؛ لأنهم استمرءوا هذا الأصل فصار ذريعة للبدعة، بل وصل بعضهم إلى الابتداع.
وأحياناً قد يتعبد بمناسبات لم تشرع كما شاع عند الناس أنه ما دام آخر السنة أو أول سنة التي تلي يوم الإثنين، فقالوا: نشجع ونحرض على صيامه، والبعض يقول: اختم عامك بصوم، فهذا أراد خيراً لكنه وقع في بدعة، لأنه ما عرف قاعدة الشرع حينما دعا إلى صوم يوم يقصد به التعبد على أساس ذكرى لنهاية سنة أو بداية أخرى، فهذه بدعة لو التزمها الناس لكانت بدعة، وهكذا تساهل الناس في الأمور يجعلها تصل إلى البدع وهم لا يشعرون، ثم تأتي أجيال تجهل الغرض الطيب أو المقصد الحسن عند من بدءوا هذه الأمور، وأغلب البدع وغيرها جاءت من هذا التساهل، فلا يجوز للمسلمين أن يعيدوا ويتعبدوا بتعييد غير العيدين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بذلك، بل إن الأنصار لما استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في أن يأذن لهم بأيام يحتفلون بها ويفرحون فيها مع أبطالهم لم يأذن لهم وقصرهم على العيدين، وهذا توجيه للأمة كلها، فلا يجوز أن يعيد المسلمون بغير العيدين، ولذلك فإن الذين التزموا أعياداً أو مناسبات على سبيل الدوام وصارت عندهم أشبه بالعقيدة بحيث لو تركها أو أنكرها يكون هو المخطئ فهذا قلب للمفاهيم ولو عكسوا لكان هو الصحيح.
نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.