للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاستدلال بالأدلة العقلية على الأحكام الشرعية]

السؤال

ما حكم من لا يقتنع بالأحكام الشرعية والعقدية إلا بأدلة عقلية؟ وما الأسلوب الأفضل في دعوته؟

الجواب

هذا فيه نزعة وسواس، ونزعة عقلانية مذمومة، وليس كل نزعة عقلانية مذمومة، ولكن العقل إذا كان يريد أن يتثبت في الإيمان ويستزيد من الخير فهذا ممدوح، لكن إذا صارت النزعة العقلية تقصر الدلالات الشرعية على العقل فمن هنا تقع الهلكة، فمثل هذا يجب أن يوعظ؛ لأن الغالب أن أصحاب النزعات العقلية لا يسلمون من الغرور، ولذلك فإن أكثر خصوم الأنبياء من العقلانيين، وليس هذا ذماً لكل عقلاني، إنما العقلاني إذا لم يستجب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللدين كانت عقلانيته تتعدى الحدود الفطرية للعقل.

فالنزعة العقلانية إذا وصلت إلى حد أن صاحبها لا يؤمن بشرع إلا بما يقنع عقله فهذا يخشى عليه من الهلكة؛ لأن أغلب أمور الدين غيبية، والقدر غيبي، وأصول الاعتقاد غيبي، والغيبي نعلم منه ظواهر الحقائق ولا كيفيات الحقائق، والعقل لا يكتفي بظواهر الحقائق، فهو يريد أن يتطلع إلى الكيفيات، وهذا مستحيل.

فإذاً: صاحب هذه النزعة أن يخشى ألا يصل إلى الحق؛ فلذلك يوعظ ويخوف بالله عز وجل، وتبين له ثوابت الدين وهو: أن الدين ينبني على التسليم، وأن العقل قاصر، وأنه لا يمكن مقارنة الوحي المعصوم -كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- بأفكار وآراء الناس مهما بلغت من القوة والذكاء والعبقرية، فإذا سلم بذلك وأدرك أنه إنسان محدود يعتريه السهو والنقصان والخلل والضعف والفناء وعرف قدر نفسه، فمن هنا ستستجيب عواطفه ويستجيب عقله للحق.

فالسبيل الأول هو موعظته، ثم حواره بالمسلمات البدهية لا بالمقدمات المعقدة، لأن العقليات المعقدة لا توصل إلى يقين، لكن يوعظون بمثل ما جاء في القرآن، قال سبحانه: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم:١٠]، وقال في الرد على الذي أنكر البعث حينما فتت عظماً وقال: أنى يحيي هذا الله عز وجل، فقال الله راد عليه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٨ - ٧٩]، مقدمات بسيطة قد يقتنع بها العقلاني الذي عنده هذا الوسواس، أما التعمق في المحارات فهو يزيد الأمور تعقيداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>