أن الأصل في إثبات الأسماء والصفات لله عز وجل هو إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك من غير تمثيل، والتمثيل يأتي بمعنى التشبيه والتجسيم وغيرها من المعاني التي تقتضي المماثلة، فالله عز وجل تثبت له الأسماء والصفات والأفعال الواردة في الكتاب والسنة من غير أن يمثل ذلك بالخلق، أو يمثل الخلق بالله، فلا يجوز تمثيل الله بخلقه لا جزئياً ولا كلياً، ولا يجوز تمثيل أحد من الخلق بالله، فالتمثيل والتشبيه ممنوع من الطرفين، فلا يشبه الله شيئاً من خلقه ولا شيء من الخلق يشبه الله في الإجمال والتفصيل.
ثم الإثبات يكون من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير أن ننفي عن الله عز وجل الحقائق اللائقة به، بل يجب الإثبات على ما جاء في الكتاب والسنة، وأن ما نثبته لله عز وجل من ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله حق على حقيقته على ما يليق بجلال الله، ولا يجوز أن يقال: هذا مجاز، ولا يؤول ولا يصرف عن معانيه، ولا يقال: إنه يقتضي التشبيه، أو لا بد فيه من قياس كل هذا لا يجوز إطلاقاً لأنه غيب، ولأن ما ورد من أسماء الله وصفاته هو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ولذلك جاءت هذه القاعدة في كتاب الله عز وجل بكلمات معدودات، يجب على كل مسلم أن يستحضرها ويجعلها ميزاناً في قلبه، وهي قوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١].
((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) فلا يماثله شيء من مخلوقاته، ولا هو يماثل شيئاً من مخلوقاته، لا في الجملة ولا التفصيل، لا في العموم ولا في المفردات، ومع ذلك فهو السميع البصير، ولعل من حكمة الله عز وجل حين بدأ بنفي التمثيل قبل الإثبات ليستقر في عقل المسلم وقلبه نفي المشابهة أصلاً قبل أن يثبت، فالمؤمن إذا استحضر أن الله ليس كمثله شيء ثم وردت إليه أسماء الله وصفاته، فإنه قد ثبت في قلبه وعقله القاعدة في أن الله لا يماثله شيء مطلقاً فمن هنا تسلم عقيدته وتسلم ذمته ولا يتكلم عن الله بغير علم، كل ذلك مع الإيمان بمعاني ألفاظ النصوص الواردة في الكتاب والسنة وهي حقائق لها معانٍ، وهذه المعاني حق فيما يجب لله عز وجل وما يمكن أن تفسر بمعانٍ تخرج عن مقتضى الحقيقة اللائقة بالله عز وجل، وكل من حاول الخروج عن إثبات الحقيقة وقع في الهلكة والزيغ، وهذا ما حذر الله منه في قوله عز وجل:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عمران:٧]، ولذلك ادعى كثير من المبطلين بأن أسماء الله وصفاته وأفعاله من المتشابه نعوذ بالله، كيف تكون من المتشابه! وهي حق بيّن وواضح كالشمس، لكنه اشتبه على أهل الفتنة وعلى أهل الزيغ، فظنوا أنه من المتشابه.
إذاً: أسماء الله وصفاته وأفعاله ليست من المتشابه بل هي من المحكم البيّن ولها معانٍ وحقائق، لكنها تثبت على ما يليق بجلال الله، وما ينبغي لله من الكمال مع نفي المشابهة والتمثيل.
الأصل الثاني: أن التمثيل والتعطيل في أسماء الله وصفاته زيغ وضلال، بل هو كفر، فمن اعتقد أن الله مثل خلقه، أو اعتقد أن أحداً من الخلق مثل الله فهذا كفر وزيغ وضلال، كما يكون من تأويلات الباطنية، وقد يكون بعض التأويلات التي وقع فيها بعض أهل الكلام الذين أولوا بعض أسماء الله وصفاته وأفعاله، إذا ما قصدوا بالتأويل إنكار حقائق أسماء الله وصفاته فهذا يكون من البدع والضلالات، كتأويلات نفاة الصفات من أهل الكلام، ومن ذلك ما يقع خطأ، وقد وقع من بعض أفراد السلف وأئمة السنة تأويلات غير مقصودة وليست منهجاً لهم، إنما هي زلات، فهذه صاحبها لا يكفّر ولا يضلل لكنه يرد إليه خطأه وهو من باب زلات العلماء.
فإذا قلنا: إن التمثيل الخالص والتعطيل الخالص في أسماء الله وصفاته وأفعاله يعتبر كفراً وزيغاً وإلحاداً فما هو التمثيل الممنوع؟ التمثيل: هو تشبيه الله بالخلق أو تشبيه الخلق بالله، تشبيهاً يؤدي إلى أن يعتقد المشبّه أن الله مثل خلقه، أو أن الخلق أو بعض الخلق مثل الله.
أما مسألة وجود التشابه اللفظي فهذه أشكلت على كثير من قليلي الفقه في الدين، الذين يجهلون عقائد السلف وفقههم حيث ظنوا أن مجرد المشابهة اللفظية الموجودة في أسماء الله وصفاته وموجودة أيضاً في بعض صفات الخلق تعني التمثيل، فهرب بعضهم إلى الإنكار زعماً منهم أن الإثبات يقتضي المماثلة وهذا خطأ، لأن التشابه اللفظي لا يعني التشابه في الحقيقة، فمثلاً: الله عز وجل هو الحي، والمخلوق الذي فيه روح يسمى الحي، وهذا تشابه لفظي، فالله عز وجل موصوف بالحياة والإنسان والحيوان الحي موصوف بالحياة، وليست الحياة مثل الحياة، فحياة الله كاملة لا يعتريها فناء ولا محدودية ولا نهاية، وحياة المخلوق لها بداية ونهاية.