[تفسير القرآن وتأويلاته]
قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: القرآن يجب أن يفسر بما هو معلوم من منهج السلف، ولا يجوز تفسيره بالرأي المجرد، فإنه من القول على الله بغير علم، وتأويله بتأويلات الباطنية وأمثالها كفر].
الشرح: القرآن هدى وشفاء ومنهاج وشريعة، لأفرادها وأسرها ومجتمعاتها ودولها، بل للبشرية جمعاء، ولذلك فهو منهج اعتقادي عالمي، فيجب أن يحكم حياة الناس، ولا يحكم حياة الناس إلا بتفسير القرآن، لأن القرآن كلام الله عز وجل ويحتاج إلى أن تستنبط منه القواعد والأحكام التي يرجع إليها المسلمون في تطبيقاتهم وأعمالهم، بأفرادهم ومجموعاتهم، فمن هنا لا بد من تفسيره، وتفسيره يكون على النحو الآتي: أولاً: تفسير القرآن يخضع لمنهج الاستدلال، وهو أن القرآن يجب أن يُفسّر بالقواعد المتفق عليها عند أهل الحق بعيداً عما أحدثه أهل الباطل والزيغ، فإنهم قد يفسّرون القرآن على مناهج غير مناهج السلف الصالح ومناهج المؤمنين.
ثانياً: تفسير القرآن بسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية، ثم تفسير القرآن بالتطبيقات في المجتمع المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أكثر القرآن طبّقه النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده وبالجماعة التي كانت في عهده صلى الله عليه وسلم التي هي جماعة الصحابة، أما بمفرده فكما قالت عائشة: (كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن) يتمثل القرآن في سلوكه وأعماله وفي علاقته بربه وفي علاقته بمن حوله، وفي علاقته بالخلق.
فهذا تفسير قطعي للقرآن، ثم تفسير القرآن بفعل وتفسيرات الصحابة وبمفاهيمهم وتفسيراتهم وتطبيقاتهم، فإن هناك كثيراً من أحوال الأمة استجدت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد الخلفاء الراشدين؛ لأن الأمة في عهد الخلفاء الراشدين عاشت ما يشبه الطفرة في نشر الإسلام، بعد أن زادت رقعة الإسلام، فزادت رقعة الأمة الإسلامية أضعافاً وزادت أعداد الأمم التي دخلت في الإسلام كماً وكيفاً وجغرافياً وأممياً بأضعاف ما كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا احتاج إلى معرفة تطبيقات للدين لا بد أن تؤخذ من مقتضى النصوص، فقد طبّق الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين أكثر صور مناهج الدين.
فمن هنا يكون فعلهم حجة وهو تفسير للقرآن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما ذكر الاختلاف: (فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).
ثالثاً: تفسير القرآن بفهوم الصحابة على مقتضى اللغة؛ لأن الصحابة أصحاب لغة سليقة، فهم يفقهون العربية فقهاً فطرياً ذاتياً غير متكلف، ولم يكونوا يحتاجون إلى دراسة القواعد والنحو كما ندرسها الآن، بل كانوا عرباً بالسليقة، فكانوا يفسرون القرآن وتفسيرهم الآن عظيم وموجود، تفسيراً قولياً وفعلياً، وتفسير تطبيقات.
رابعاً: تفسير القرآن بفهم السلف الصالح على مناهج الدين ومقتضى القواعد المعتبرة في التفسير.
وقوله: (ولا يجوز تفسير القرآن بالرأي المجرد) بل الرأي السليم هو الذي يستخدم في استنباط المعاني من القرآن في الأمور الاجتهادية؛ لأن بعض الناس يظن أن السلف يحجرون على الرأي، بل السلف هم أفضل من يستخدم الرأي على وجهه، بل إنهم استخدموا أقصى ما يمكنهم من طاقة في الاستفادة من الرأي والعقل السليم على وجه شرعي سليم.
فالقول بالرأي المذموم هو أن يقول الإنسان في تفسير القرآن برأي مجرد من غير مراعاة لقواعد التفسير ومن غير أهلية، كأن لا يكون عنده العلم الكافي والرسوخ، أما إذا توفر عند العالم الأهلية والرسوخ والقدرة فإن استخدام الرأي في استنباط الاجتهاديات هذا يسمى اجتهاداً، أما الرأي المذموم فهو الرأي المجرد من استعمال القواعد الصحيحة للاستدلال.
الرأي المجرد هو الرأي الذي لا يكون سائغاً، ولا يكون على وجه شرعي صحيح، فهذا من القول على الله بغير علم، والله عز وجل ضم ذلك وجعله من الشرك، ونهى عنه في قوله سبحانه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦].
ومن الأمور التي وقعت فيها الفرق الضالة المنحرفة تجاه كلام الله عز وجل التكلّف في تأويلاته على غير منهج شرعي، حتى أن الغلاة منهم تجاوزوا المعاني اللغوية، كتأويلات الباطنية لكثير من ألفاظ القرآن وآياته، وتأويلات الباطنية هي قلب للمفاهيم كما جعلوا الإيمان كفراً والكفر إيماناً، وجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، فهم نكسوا وقلبوا حتى المعاني العربية، ولنضرب أمثلة من التأويلات الباطنية الضالة: فمثلاً: تأولوا أركان الدين بأئمتهم، فزعموا أن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة، والصيام، والحج قالوا: هؤلاء الأئمة، أي: هم نفس الأركان، كأنهم يقولون: هي إشارة إلى أئمتنا، وهم أيضاً يعيشون في سراديب الظلام، ومن منهجهم أن يعيشوا تقية وأن يعيشوا مع الناس بالنفاق، فأولوا أركان الإيمان وأركان الإسلام بأئمتهم، بل فسّروا بعض ص