[قاعدة التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله]
قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: التسليم والرضا والطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالله تعالى حكماً من الإيمان به رباً وإلهاً، فلا شريك له في حكمه وأمره، وتشريع ما لم يأذن به الله، والتحاكم إلى الطاغوت، واتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وتبديل شيء منها كفر، ومن زعم أن أحداً يسعه الخروج عنها فقد كفر].
هذه قاعدة عظيمة تنبني على الأعمال القلبية أولاً، ثم ثمار الأعمال القلبية التي هي جزء من الإيمان، فمن العبودية لله عز وجل توحيد الألوهية، فإن الأساس الأول للعبودية يبدأ من القلب من الضمير من المضغة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في الجسد: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فالقلب لا بد أن يسلم لله عز وجل ويرضى، والتسليم هو الإذعان والاستعداد لما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يمتلئ قلب العبد بالتعلق بمراد الله، وما يريد الله منه.
وأن يكون قصده بذلك الاستجابة لأمر الله، فإن كان أمراً أخذ به، وإن كان نهياً انتهى عنه، وهذا التسليم يبدأ بالقلب، فالعبودية تنبني على التسليم أولاً، ثم الرضا.
وما بعد التسليم لا بد أن يلتزم الإنسان بالشرع، والالتزام قد يثقل أحياناً على النفس خاصة إذا سيطر عليها الهوى أو الشبهات أو الشهوات أو الجواذب والموانع والقواطع التي تصرف الإنسان عن العمل الحق والقول به وفعله، فهذه الصوارف تجعل عنده نوعاً من الاستثقال للدين، أو لبعض مفردات الدين، وهذا ينافي العبودية أو يخل بها.
فمن مقتضى العبودية بعد التسليم: الرضا والاستعداد والإذعان والطمأنينة، بحيث أن لا يتذمر الإنسان أو يستثقل أوامر الشرع، بل يرضى ويسلم للشرع والقدر.
ثم يلزم من ذلك الطاعة المطلقة لله عز وجل، والطاعة المطلقة هي الاستعداد للعمل، أما التنفيذ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها بحسب المستطاع، وبعض الناس يظن أن معنى الطاعة المطلقة أن تطبق كل ما تؤمر به، وفي فرائض الدين وواجباته ما يستطيع تطبيقه عامة الناس، وفيها ما هو مبني على الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
فالطاعة المطلقة: طاعة انقياد وطاعة استعداد، ثم بعد ذلك العمل بالمستطاع، والطاعة المطلقة تكون لله عز وجل، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، فأمر الله بأن نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم يلزم من ذلك كله: الاعتقاد والجزم بأن الله عز وجل هو الحكم، والحكم أن ترضى بحكمه وقضائه وشرعه، كما رضيت به رباً وكما استسلمت له بأنه إله، لأن من مقتضى إيمانك بأن الله رب ومعبود أن ترضى بحكم الله في كل شيء، في الشرع والقدر، وحكم الله أحياناً يخصك، وأحياناً فيما بينك وبين العباد، والأحكام التي تكون بينك وبين العباد كثير منها لا يقضى إلا بالأسس الشرعية وأسس التعامل مع الخلق، فإذاً: يجب أن تستعد للرضا بحكم الله عليك، أي: حكم شرع الله وقدره.
ثم يتبع ذلك أنه عز وجل لا شريك له في حكمه، والحكم حكمان: حكم قدري وحكم شرعي، وأمره أمرنا: أمر قدري وأمر شرعي.
وقوله: (وتشريع ما لم يأذن به الله) أي: إذا قلنا: إنه لا بد أن يكون الله عز وجل هو وحده الحكم، وهو الحاكم، وهو سبحانه الذي إليه التحاكم، وهو سبحانه المشرِّع؛ إذاً: تشريع أي شرع لم يأذن به الله، ولم يكن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو التحاكم إلى غير دين الله، أو اتباع أي شرع غير شرع محمد صلى الله عليه وسلم كل ذلك كفر.
وتشريع ما لم يشرعه الله، والتحاكم إلى غير دين الله تحاكم إلى الطاغوت، أو اتباع غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حتى في أمر جزئي كما يقول بعض المفتونين: لماذا لا نأخذ بعض أحكامنا من الديانات الأخرى؟ كيف نأخذ والله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ونسخ الديانات السابقة، وقد يكون عند كثير من الديانات شيء من الحق، لكنه موجود عندنا وزيادة، ولا يمكن أن ينفرد اليوم دين من الديانات بشيء من الحق وهو لا يوجد في الإسلام، وهذه قاعدة حتمية قطعية، ولا يمكن أن ينفرد دين ولا مبدأ في العالم سواء من الأديان المنزلة التي حرفت، أو أديان من التي وضعها البشر أو النظم، لا يمكن أن ينفرد دين أو مبدأ بحق أو بشرع صالح للناس يستقل به عن الإسلام.
فلا بد أن يتضمن الإسلام كل ما يمكن أن يخطر على بال بشر من معالم الحق جملة وتفصيلاً، فلا يمكن أن ينفرد مبدأ بالحق من دون الإسلام، وإن وجد عند كثير من المبادئ بعض الأمور الجميلة في تشريعاتها.
وفي نظمها، فهذا أمر قد يعترف لهم فيه، لكن يوجد في الإسلام ما هو أكمل منه، وإنما التقصير يكون من المسلمين أنفسهم في كثير من الأحوال.
وكذلك التبديل بأن يوضع نظام وضعي بدل نظام شرعي، وسواء كان هذا التبديل في الأحكام الجزئية أو الكلية، فالأصل فيه أ