رؤية المؤمنين لربهم أعظم النعيم، ولا يدانيها شيء؛ لأن الله عز وجل وصفها بذلك وهي معلوم أمرها بالضرورة، فلا يعقل أن يتصور أحد أن هناك أعظم نعيم من التمتع برؤية الله عز وجل، ولذلك وصفها الله عز وجل بمثل هذه الأوصاف، قال سبحانه عن المؤمنين الذين يدخلون الجنة:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}[ق:٣٥] فلا تحد بحد، بل كل ما يمكن أن يتمناه المؤمن في الجنة من النعيم يدركه ويحدث له.
ثم بعد ذلك قال الله عز وجل:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦]، وقال سبحانه ممتناً على المؤمنين:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}[القيامة:٢٢] أي: يعني بهية مستبشرة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٣] بعد أن نضرت بأعمالها الصالحة ونجت وزكت متعها الله بالنظر إلى وجهه الكريم، نسأل الله أن يجعلنا ممن يتمتعون بذلك.
فرؤية المؤمنين لربهم في الجنة من الحقائق التي تواترت بها النصوص، وهي غيبية، ولذلك فإن الذين استعملوا عقولهم في الخوض في هذه الأمور وقعوا في هلكة؛ لأنهم خاضوا في أمور هم في عافية منها، وقاسوا رؤية الخالق عز وجل برؤية المخلوقين، وقالوا: لأنه يترتب على الرؤية كذا ويلزم منها إثبات الجهة لله عز وجل، مع أن الجهة لا نجعلها وصفاً لله ولا نقول بها حتى نفصّل، فإن قصدتم بالجهة العلو فالمؤمنون يرون ربهم من فوقهم كما هو نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذا تنزعجون من الحق، وإلا لماذا تقولون: هذا يلزم منه جهة العلو والعلو كمال؟ وكل عاقل يدرك بعقله، وفكره وفطرته وبالحس والمشاهدة أن العلو كمال، إذاً: لماذا يتهيبون من إثبات العلو لله عز وجل، ولذلك نفوا الرؤية زعماً منهم أنه يلزم منها الجهة، وهربوا من إثبات العلو لله عز وجل.
إذاً: الرؤية حق، لكن ولا نتكلم فيها بأكثر مما ورد به النص، كيف تكون؟ وهل كذا؟ هذه أمور لا يجوز أن نخوض فيها؛ لأنها تطلع إلى الغيب المحجوب، ومما لا يعلمه إلا الله عز وجل خاصة فيما يتعلق بالله، فما يتعلق بالله عز وجل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله والرؤية هذه أمور متعلقة بالله يجب على المسلم أن يتهيب ويتورع عن أن يخوض فيها أو يفتح لنفسه باب الأسئلة والإشكالات، فإن جاءته وساوس أو خواطر عارضة سيدفعها الإيمان بإذن الله، وإلا فإنه يسأل أهل العلم عل الله عز وجل يفتح عليه جواباً ينقذه من الوساوس، أما أن يبتدئ بالتوهمات فهذا من الغلط.