بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم توسل الناس إلى الله عز وجل بدعاء العباس رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك عند الدعاء لنزول المطر فهل مثل هذا يجوز الآن؟
الجواب
هذا من الأدلة الواضحة التي تقلب على المبتدعة، فكثير من أدلة أهل البدع تكون دلالتها ضد ما يقولون، واستدلالهم بالحديث لا يخلو من جهل وتلبيس وتكلف، وأحياناً قد لا يوجد عند من يستدل بهذا الحديث شيء من ذلك وقد يكون غير جاهل ولكنه التبس عليه الأمر أو يكون قلد غيره، فحديث العباس مجمل ومفصل، واستدل به كثير من الذين يتذرعون به للبدع على وجه لا يستقيم، بل يختلف عن القصة الحقيقية التي حدثت فيها هذه الواقعة ويختلف عن فهم السلف لها بل عن سياقها، ونبدأ باستشفاع عمر رضي الله عنه بـ العباس؛ لأن كثيراً من أهل البدع يظنون أن هذا دليل على جواز التبرك والتوسل البدعي بذوات الأشخاص، والصورة التي وقعت فيها قصة الاستشفاع بـ العباس واضحة بينة تدل على أن المقصود به قطعاً هو التوسل بدعاء العباس، وهذا مشروع إلى اليوم وإلى قيام الساعة، والواقعة أن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أصابهم جدب أو شيء أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون به ويقولون: يا رسول الله! ادع الله لنا فيدعو لهم، كما في قصة الرجل الذي دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فطلب منه وتوسل به أن يدعو، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا الله عز وجل أن يغيث المسلمين فأغاثهم ثم بعدها بأسبوع استمر المطر حتى خشوا الغرق، فجاء ذلك الرجل ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم فتوسل به أن يدعو الله، فكان أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه بأن يرفع المطر عن المسلمين، كذلك هذه الصورة الشرعية التي حدثت للعباس، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم لما أصابهم الجدب في عهد عمر قال عمر: اللهم إنا كنا نستشفع بنبيك.
يعني: يدعون الله عز وجل بذلك أو يخاطبون ربهم ثم قال: وإنا نستشفع بعم نبيك وكان الاستشفاع بعم النبي صلى الله عليه وسلم بأن وضعوه أمامهم فصار يدعو ويؤمنون بعده ولم يتمسحوا بثيابه ولا بجسده، وإنما التوسل بـ العباس أن جعلوه أمامهم يدعو وهم يؤمنون بعده، فأغاثهم الله عز وجل وحدث هذا من معاوية رضي الله عنه عندما استشفع بـ الأسود، وحدث من كثير من الصحابة، ويحدث في تاريخ الأمة قديماً وحديثاً أن الناس يقدمون الصالحين منهم يدعون والناس يؤمنون، وهذا من أسباب الإجابة بإذن الله فهذه الصورة ليس فيها بدعة بل فيها المشروع، ويجب أن نبقى على هذا المشروع ولكن أنى لهم أن يستدلوا بذلك على البدع التي يعملونها وهو التمسح والتبرك بالذوات ونحو ذلك، فهذا لم يحدث من الصحابة.
وكذلك الأعمى جاء يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له عند الله ويتوسل به عند الله أن يعيد له بصره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نصحه بأن يصبر لكنه آثر بأن يرد له بصره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتوضأ ويصلي ثم يدعو الله عز وجل أن يستجيب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا له مع أنه كان يتبرك حتى بذات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن نظراً لأن هذا تشريع للأمة؛ ولأن هذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم فكان وجه الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأعمى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له وأنه دعا الله بأن يستجيب دعاء نبيه فيه، فهذا الوجه مشروع.
فأي دليل على ما يعمله أهل البدع من التمسح بالذوات والتبرك بالأشخاص ودعاء غير الله إما بمعنى الاستشفاع أو من باب الشرك، فإذاً الأدلة التي في هذا السياق عليهم وليست لهم؛ لأن سياقها ينبغي أن يكون بكمال القصة وبفعل الصحابة وتفسيرهم؛ لأن الصحابة هم الذين طبقوا تلكم الأحكام، وهم الذين حدثت على أيديهم تلك الأحداث، فينبغي أن نفهمها بعمل الصحابة وبفهمهم رضي الله عنهم ثم بعمل السلف وبفهمهم، فلم يكن أحد من السلف الصالح في القرون الفاضلة يستخدم التوسل إلا بهذه الطريقة وكذلك التوسل بالأشخاص وبالاستشفاع بهم بأن يطلبوا من الصالحين الدعاء وهم يؤمنون على دعائهم أو يطلبون منهم الدعاء حتى لو ما أمنوا.
فصور الاستشفاع كثيرة لكن أبرزها الاستشفاع من أجل استنزال الغيث أو دفع الضرورات والمصائب العظمى عن الأمة، عندما تكون الضرورات والمصائب لا أن يتقدم رجل صالح ثم يدعو الله عز وجل ويؤمن المسلمون من ورائه على دعائه، فهذه الصورة مشروعة بل من أعظم القربات إلى الله عز وجل.