قال المؤلف حفظه الله تعالى:[سادساً: تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها الخاصة، وشريعة تلزم العامة دون الخاصة، وفصل السياسة أو غيرها عن الدين باطل].
هذه من الأمور التي قد لا تتعلق بكثير من المسلمين اليوم ولله الحمد، لكنها موجودة عند طائفة من الفلاسفة والمفكرين وغلاة العباد الذين انبنت عقائدهم إما على عبادة الله بالمحبة فقط، أو بالرجاء فقط، أو نحو ذلك، وهؤلاء زعموا أن الدين ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: حقيقة: وهي التعامل الفردي مع الله عز وجل، والذي يسع كل إنسان عنده مواهب بزعمهم أن يعبد الله بها كما يشاء، وهذه الحقيقة هي الصلة بالله على ما يتذوقه هذا الفرد، ولا يدركها إلا النادر من الناس، وعليها بعض العباد وبعض الفلاسفة، وهي تختلف عن الشريعة التي جاء بها الأنبياء عموماً وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن الشريعة إنما جاءت لعوام الناس، أما الخواص فهم طائفة من الزنادقة.
وفلاسفة العباد الذين ضلوا عن الطريق وعبدوا الله على طرائقهم الخاصة، وظنوا أن هذه هي حقيقة الدين، وأن المراد بالدين هو الوصول إلى هذه الحقيقة، فيزعمون أنهم وصلوا إليها؛ فليسوا بحاجة إلى الشرع، وهذا من عبث الشيطان بهم، وإلا فإن الدين جاء يحكم الخلق جميعاً، والدين أنزله الله عز وجل على من اصطفاهم:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنْ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنْ النَّاسِ}[الحج:٧٥]، فالذين اصطفاهم الله عز وجل هم الذين نزل عليهم الدين وهم أول من عمل بالدين، لكن هؤلاء الذين نزعوا إلى هذه النزعة، ويزعمون أنهم وصلوا إلى الحقيقة بالاستغناء عن الشرع ما دخلوا الديانات السماوية، بل هم من خصوم الأنبياء، ومن المستكبرين عن النبوات والأنبياء والشرائع.
وقد استمر هذا المنهج والمسلك عند كثير من الفلاسفة والعباد والمفكرين إلى اليوم، فيزعمون أن الشرع جاء للبسطاء والعوام؛ ولذلك يسمون الدين: دين العوام، ويسمون الأنبياء: رعاة العوام؛ وهذا ضلال مبين، يمقته العقل السليم والفطرة، فضلاً عن أنه يضاد ويحاد قطعيات النصوص.
إذاً: تقسيم الدين إلى حقيقة يتميز بها ناس يسمونهم الخاصة، وشريعة تلزم العوام دون الخواص ضلال وفسق.
وكذلك فصل السياسة أو الحياة أو الاقتصاد أو فصل أي جانب من جوانب الحياة عن الدين يعتبر من أبطل الباطل، بل هو جور وعدول عن أمر الله، ومن زعم أن الدين لا يواكب الحياة؛ فهذا مبطل، إنما قد يعجز المسلمون عن العمل بتطبيق شرع الله، ولو عملوا لوجدوا أن الدين لا يمكن أن يفصل هذه الأمور بعضها عن بعض، بل كل ما خالف الشريعة من حقيقة أو سياسة أو غيرها فهو إما كفر وإما ضلال بحسب درجته.