[د] وأنه لما روى: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» أنكر عليه ابن مسعود وَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَنْجَسُوا مِنْ مَوْتَاكُمْ».
[هـ] ولما روى حديث «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ» فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: أَمَا يَكْفِي أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ:«أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ».
والجواب على ذلك:
(أ) إن ما ذكره ليس من بنات أفكاره ولا من بحثه وإنما هو كلام قاله النَظَّامِ وأمثاله من أعداء المُحَدِّثِينَ، وقد عرض له العَلاَّمَةُ ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " ناقلاً وَمُزَيِّفًا لَهُ وَمُبَيِّنًا أن ذلك لا يطعن في الحديث ولا في المُحَدِّثِينَ، وصنيع المؤلف كما ذكرت من قبل يوهم القارئ الذي لا يعلم أنه من كلام ابن قتيبة حيث قال: «قال ابن قتيبة في " تأويل مختلف الحديث " .... » وفي الحق أن ابن قتيبة بريء من هذا براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وطريقة المؤلف في هذا عارِيةَ عن الأمانة في النقل والدقة في البحث، وغاية ما وصل إليه التدليس، وكل ما ذكره من إكذاب عمر وعثمان وَعَلِيٍّ له، وأن عَلِيًّا كان سيئ الرأي فيه، فلا يعدو أن تكون دعاوى كاذبة مغرضة، وهذه كتب الثقات في تاريخ الصحابة لا تكاد تجد فيها شيئا مِمَّا زعم وَادَّعَى.
بين يدي الرَدِّ:
أما ما ذكره من روايات يزعم أنها تشهد له، فإليك مفصل الحق فيها، ولكني قبل أن أعرض للروايات بالتفصيل أقول: لا شك أن الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كانوا يأخذون الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكونوا سواء في التفرغ للتلقي ولا في الملازمة ولا في الحفظ والذاكرة، فمن ثَمَّ تفاوتت مروياتهم قلة وكثرة، وكما كانوا يتلقون عنه بالذات كانوا يتلقون عنه بالوساطة عن صحابي آخر، وفي بعض الأحيان كان يراجع بعضهم بعضًا فيما يرويه، إما للتثبت والتأكد لأن الإنسان قد ينسى أو يسهو أو يغلط عن غير قصد، وإما لأنه ثبت عنده ما يخالفه أو ما يخصصه أو يقيده، أو لأنه يرى مخالفته لظاهر القرآن أو لظاهر ما حفظه من سُنَّةٍ إلى غير ذلك، فليس