للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحجبه عن سائر أصحابه لكان علي أولى الناس جميعا بذلك، وذلك بأنه ربيبه، وابن عمه، وأول من أسلم، وزوج ابنته ولم يفارقه في سفر ولا حضر، فإن لم يكن عَلِيٌّ فَالصِدِّيقُ أَبُو بَكْرٍ أَوْ عُمَرَ أَوْ أَبُو عُبَيْدَةَ أو ... أو ... إلخ من عدد من الصحابة والصحابيات.

عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ»، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ،

وكيف يكون ذلك؟ وأين يذهب ما رواه " الصحيحان " عَنْ حُذَيْفَةَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ». وقد قال بعض العلماء - كما جاء في " تاريخ ابن عساكر ": «إن اعتقاد ذلك - أي أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتم عن جميع الصحابة شيئا يؤدي إلى نسبة الخيانة إلى النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معاذ الله!».

والجواب:

إن هذا الحديث رواه الإمام البخاري في " صحيحه "، وهو في غاية الصحة رواية ودراية، والمراد بالوعاءين نوعان من الأحاديث التي تلقاها عن النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فالكلام من قبيل المجاز وهو مجاز معروف مستساغ وأحد الوعاءين - وهو ما يتعلق بأحاديث الأحكام والآداب والمواعظ - قد بَلَّغَهُ حتى لا يكون كاتمًا وأما الآخر وهو ما يتعلق بالفتن والملاحم وأشراط الساعة، والإشارة إلى ولاة السوء، فقد آثر أن لا يذكر الكثير منه حتى لا يكون فتنة لسامعه، أو يسبب له التحديث به الضرر في نفسه أو ولده أو ماله من أمراء السوء، قال العلامة ابن كثير في (١) " البداية والنهاية ": «وَهَذَا الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ لاَ يَتَظَاهَرُ بِهِ هُوَ الْفِتَنُ وَالْمَلاَحِمُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَ النَّاس مِنَ الْحُرُوبِ وَالْقِتَالِ، وَمَا سَيَقَعُ التِي لَوْ أَخْبَرَ بِهَا قَبْلَ كَوْنِهَا لَبَادَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى تَكْذِيبِهِ، وَرَدُّوا مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنَ الحَقِّ» وقال الإمام الحافظ ابن حجر في " الفتح " (٢): «وَحَمَلَ العُلَمَاء الوِعَاء الذِي لَمْ يَبُثَّهُ عَلَى الأَحَادِيث التِي فِيهَا تَبْيِينُ أَسَامِي أُمَرَاءَ السُّوءِ وَأَحْوَالِهِمْ وَزَمَنِهِمْ، وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكُنِّي عَنْ بَعْضه وَلاَ يُصَرِّح بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: " أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان "


(١) ج ٨ ص ١٠٩.
(٢) ج ١ ص ١٧٥.

<<  <   >  >>