للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُشِير إِلَى خِلاَفَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة لأَنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنَ الهِجْرَة. وَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَاتَ قَبْلهَا بِسَنَةٍ ... وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الأَحَادِيث المَكْتُومَةَ لَوْ كَانَتْ مِنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا وَسِعَهُ كِتْمَانُهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ مِنَ الآيَةِ (١) الدَّالَّةِ عَلَى ذَمِّ مَنْ كَتَمَ العِلْمَ. وَقَالَ غَيْرهُ: " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَة وَتَغَيُّرِ الأَحْوَالِ وَالمَلاَحِمِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَيُنْكِرُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفْهُ، وَيَعْتَرِضَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ شُعُورَ لَهُ بِهِ» (٢).

وأيا كان تأويل الحديث فليس فيه ما يدل على أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّهُ بشيء على ذلك دون غيره، حتى يرتب المؤلف على الحديث كل هذه الإشكالات التي قالها وهي غير ذات موضوع، ولم نعلم أحدًا قط من علماء اللغة والبلاغة والأدب اعتبر هذا الأسلوب مفيدًا للتخصيص، اللَّهُمَّ إِلاَّ في ذهن هذا المؤلف الذي يزعم أنه أديب، وما هو من أهل الأدب في شيء!.

أما ما ذكره من حديث عَلِيٍّ وابن عباس، فلا دخل لهما بما ذكرناه في تأويل حديث أبي هريرة، فحديثه في واد وحديث عَلِيٍّ وابن عباس في واد آخر، ذلك أن الشيعة ومن على شاكلتهم كانوا يزعمون أن النَّبِيَّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ آل بيته ولا سيما عَلِيًّا بأشياء لم يطلع غيرهم عليها، فمن ثم سأل السائل عَلِيًّا، وأجابه عَلِيٌّ بما هو الحق والواقع، قال الحافظ ابن حجر (٣) في شرحه للحديث الذي أشار إليه المؤلف:

«وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ - هُوَ السَائِلُ لِعَلِيٍّ - عَنْ ذَلِكَ، لأَنَّ جَمَاعَة مِنَ الشِّيعَةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِنْد أَهْلِ البَيْتِ - لاَ سِيَّمَا عَلِيًّا - أَشْيَاءَ مِنَ الوَحْيِ خَصَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لَمْ يُطْلِع [غَيْرَهُمْ] عَلَيْهَا. وَقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ المَسْأَلَة اَيْضًا قَيْسُ [بْنُ عُبَادٍ] (*) وَالأَشْتَر النَّخَعِيُّ وَحَدِيثُهُمَا فِي " مُسْنَد النَّسَائِيِّ "». وإذا كان حذيفة قال


(١) يريد آية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [سورة البقرة، الآية: ١٥٩]، الآية.
(٢) في حديث ابن مسعود موقوفاً عليه: «مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً».
(٣) " الفتح ": ج ١ ص ١٦٥.

<<  <   >  >>