لا يعمل بالحديث لأنه لم يبلغه أو بلغه ولكن لم يصح عنده أو صح عنده ولكنه يرى فيه أنه منسوخ أو مقيد أو مخصص بدليل آخر أو لمعارضته لغيره من الأدلة مع رجحانها في نظره فيترك العمل به أو مع عدم الرجحان فيتوقف فيه، وأيا كان الأمر فلا يصلح ما ذكره أن يتخذ منه سَبَبًا للتشكيك في الأحاديث والتقليل من شأنها.
وفي [ص ٢٥٣] ذكر مناظرة كانت بين الأوزاعي وأبي حنيفة في رفع الأيدي عند الركوع والرفع منه، وأن الأوزاعي استدل بحديث على الرفع وأبا حنيفة استدل بحديث آخر على عدمه وقد فتشت كثيرًا عن مناسبة هذه القصة للموضوع الذي كان يتكلم فيه فلم تظهر لي المناسبة، ولو أن أبا حنيفة رَدَّ حديث الأوزاعي المرفوع بكلام صحابي أو تابعي أو بالرأي لتم له ما يريد أن يثبته من رد الأحاديث المرفوعة بالنقل عن غير النَّبِيِّ أو بالعقل، أما والإمام أبو حنيفة قد عارض حديث الأوزاعي بحديث مرفوع آخر فقد ثبت أنه ليس في القصة ما يشهد له قَطْعًا، وغاية ما تدل عليه هذه القصة أن كُلاًّ منهما استدل بحديث يرى أنه الصالح للاحتجاج لرجحانه في نظره من ناحية سنده أو متنه غير ذلك من وجوه الترجيح وهو ما ذكرته آنِفًا، واختلاف الأنظار المستند إلى الاجتهاد من طبيعة التفكير الحر النزيه وما أكثر هذا الاختلاف في تاريخ التفكير الإسلامي وهو حسنة من محاسن حرِيَّةَ الرأي في الإسلام.
وفي [ص ٢٥٤] ذكر نُقُولاً يريد من ذكرها إيهام القارئ أن الإمام أبا حنيفة كان يرد بعض الأحاديث، وأنه كان مَنْقُومًا عليه بسبب ذلك، ولم تضره هذه النقمة فما زال هو الإمام الأعظم عند المسلمين.
وأحب أن أقول للمؤلف ومن على شاكلته:
[١] إنه ينبغي للباحث أن لا يكون كحاطب ليل ينقل كل ما تقع يده عليه، ولو كان فيه مصرعه، وينبغي أن يكون كالصيرفي الناقد البصير، والإمام أبو حنيفة كثر شانئوه وحاسدوه لفضله وفقهه ومنزلته، وهؤلاء افتروا عليه ما شاء لهم هواهم أن يفتروا، ونسبوا إلى كبار الأئمة في الطعن فيه ما هم براء منه وما هو بريء منه، وقد أشار الإمام ابن عبد البر في " الانتقاء " إلى شيء من هذا فقال [ص ١٤٩]: «وَنَذْكُرُ