للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإليكم الجواب:

[١] قول المؤلف: «ما عهد عن عمر من الاتجاه إلى تقليل رواية الحديث والرجوع إلى القرآن وحده» غير مُسَلَّمٍ، وما كان عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يمنع الناس من رواية الحديث ولكنه كان يدعو إلى التثبت في الرواية، وقد أخذ الخلفاء الراشدون أنفسهم بهذا التثبت ودعوا الناس إليه، وليس أدل على أن الفاروق عمر ما أراد هذا، وإنما أراد زيادة الاطمئنان ما روي أنه قال لأبي موسى الأشعري بعد أن طلب منه أن يأتيه بمن يشهد معه أنه يسمع الحديث الذي رواه في الاستئذان، فجاء بمن شهد معه وهو الصحابي الجليل أبي بن كعب «سُبْحَانَ اللهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ» وفي رواية أخرى أنه قال «خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ» (١) يعني الاشتغال بالتجارة والمعاملة في الأسواق عن التفرغ لسماع الحديث، وكذلك جاء في بعض الروايات في غير " الصحيحين " أنه قال لأبي موسى الأشعري «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمك، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» رواه مالك في " الموطأ "، وفي رواية عبيد بن حنين عند البخاري في كتابه " الأدب المفرد " فقال عمر لأبي موسى: «وَاَللَّه إِنْ كُنْت لأَمِينًا عَلَى حَدِيث رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَحْبَبْت أَنْ أَسْتَثْبِ» (٢).

فكل هذه الأحاديث تدل على أن الفاروق عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ما كان يدعو إلى تقليل. رواية الحديث والرجوع إلى القرآن وحده، ومعاذ الله أن يريد الاكتفاء بالقرآن عن السنن والأحاديث، وكيف يدعو عمر إلى الاكتفاء بالقرآن وحده وقد ثبت عنه في أقضيته أنه كان يلجأ إلى السنن والأحاديث إذا لم يجد في القرآن كما فعل في إملاص المرأة، وفي الوباء لما وقع ببلاد الشام، وقد وصل إلى سرغ، ورجوعه عن الإقدام عليه لما أخبره عبد الرحمن بن عوف بخبر رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «[إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ] بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» رواه البخاري في " صحيحه "


(١) " صحيح البخاري ": - كتاب الآداب - باب الاستئذان.
(٢) " فتح الباري بشرح صحيح البخاري ": جـ ١١ ص ٣٠، طبعة السلفية.

<<  <   >  >>