لِيُنْتَبَهَ إِلَى المُدَلِّسِ فلا يؤخذ عنه ما رواه بالعنعنة إلا إذا أثبت أنه سمعه من المروي عنه، على أن التدليس لَيْسَ كَذِبًا، وإنما هو الرواية بعبارة موهمة تحتمل اللقاء، وعدم اللقاء والسفيانان: سفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة تدليسهما من النوع المحتمل، الذي يزول بمجيئه من طريق آخر تفيد اللقاء والسماع وعلى هذا جرى أصحاب الصحاح وغيرهم في تخريج أحاديثهم وأحاديث من هم مثلهم على أن الكوفة ما هي إلا مصر من الأمصار الإسلامية أما غيرها من الأمصار فقد كان فيها الكثيرون من الرواة الذين لم يعرفوا بتدليس قط
قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه "علوم الحديث "(*)«غَيْرَ أَنِّي أَدُلُّ عَلَى جُمْلَةٍ يَهْتَدِي إِلَيْهَا الْبَاحِثُ، عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ دَلَّسُوا، وَالَّذِينَ تَوَرَّعُوا عَنِ التَّدْلِيسِ: وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ وَالْعَوَالِي، لَيْسَ التَّدْلِيسُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ خُرَاسَانَ، وَالْجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ، وَبِلادُ فَارِسَ، وَخَوْزِسْتَانَ، وَمَا وَرَاءَ النَّهَرِ لا يُعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ دَلَّسَ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ».
وأما السفيانان فهما من كبار الأئمة وما أخذ عليهما ليس من النوع المرذول، فسفيان بن عيينة كان يدلس عن الثقات، وقد حكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا: يقبل التدليس ابن عيينة لأنه إذا دلس أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما، وهذا ما رجحه ابن حبان وقال:«هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ»(١).