للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وَبَعْدُ»:

فما رأي القارئ الحصيف المنصف بعد هذه الردود الطويلة بعد ما ظهر له أن هذا الثوب الذي حاكه «جولدتسيهر» حول السُنَّةِ ثوب مهلهل، لا يقوى أمام البحث الصحيح الذي لا يتحيف على أحد، ولا يتجنى على أحد وإذا كان شُبَهُهُ كما ترى من الضعف والهلهلة، ولا تزيد عن كونها افتراضات وتخيلات، وتخمينات فقد بطل ما ذهب إليه من أن الحديث إنما هو نتيجة للتطور الديني والسياسي، والاجتماعي عند المسلمين.

وثبت ما ذهبنا إليه من أن الحديث النبوي الشريف قام على أسس ثابتة ودعائم قوية، وأنه صورة صادقة للإسلام في عهده الأول: عهد النبوة، لأنه إما أقوال وإما أفعال، وإما تقريرات للنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ وَصْفٌ خَلْقِيٌّ، أَوْ خُلُقِيٍّ، أو إن شئت فقل هو صورة صادقة أمينة لسيرة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمعناها الشامل للعقيدة، والشريعة والآداب والأخلاق الإسلامية والمغازي والسرايا التي قام عليها نشر الإسلام، ودعوة الملوك والأمراء في العالم المعروف حينئذ إلى الدخول في الإسلام، ولسير أصحابه الغر الميامين فالقرآن الكريم والسنة النبوية بمعناها العام الشامل هما الوثيقتان الصادقتان الدالتان على الإسلام في عهده الأول: عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أما الوثيقة الأولى: فقد ثبتت في جملتها وتفصيلها بالتواتر المفيد للقطع واليقين، وأما الوثيقة الثانية: فقد نقلت إلينا بأدق وأوثق طرق النقل الصحيح كما تبين ذلك وَاضِحًا جَلِيًّا مما ذكرناه في هذه الدراسات الأصيلة والتي سيكون منها هذا الكتاب الذي أرجو أن يكون ذُخْرًا لي عند الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -.

فقد نقل الحديث بأنواعه عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصحابة العدول الثقات البالغون الغاية في الضبط، وعن الصحابة حمله التابعون، وعن التابعين حمله تابعو التابعين وهكذا

<<  <   >  >>