وفي الحق أن كلام " فينك " ومن وافقه يعتبر تَحَوُّلاً مهما في تاريخ الاستشراق، فبعد أن سادت نظرية " جولدتسيهر " التي وافقه عليها الكثيرون من المستشرقين حقبا من الزمان وجدنا من المستشرقين أنفسهم كـ " فينك " من يرد عليهم ويبطل نظريتهم في الحديث والمحدثين ويصدع بما هو الحق في الحديث، وهو أنه قام على أسس ثابتة ودعائم قوية تضرب في القدم إلى عهد النبوة وأنه ليس نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي كما زعم " جولدتسيهر " وفي الحق اَيْضًا أن ما قاله " فينك " وموافقوه يعتبر أقرب النظريات إلى الحقيقة التي صدع بها العلماء المسلمون ولا سيما المحدثون، وأنه يلتقي معها في النتيجة والغاية، أقول:
ومن الملاحظات الدقيقة التي لاحظها فينك على معظم المستشرقين أنهم اتفقوا على تصحيح قصة الغرانيق، وهي من أبطل الباطل، وأمحل المحال لأن فيها إِخْلاَلاً بعصمة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَطَعْنًا في نبوته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حين نجدهم يحكمون بالوضع أو يشككون على الأقل في أخبار صحيحة بل هي من أصح الصحيح كما زعموا في الحديث المتفق عليه «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» رواه البخاري ومسلم.
أقول: وهكذا الشأن في معظمهم أنهم يصححون الموضوع ويضعفون الصحيح ولا حامل لهم في هذا وذاك إلا الهوى والتعصب، والاستجابة للحقد الدفين في نفوسهم على الإسلام وعلى نبي الإسلام، وعلى القرآن الكريم، وعلى السُنَّةِ النَّبَوِيَّةِ.
ومن الملاحظات الدقيقة اَيْضًا في كلام " فينك ": أن الرواة المسلمين لا يعدون متعصبين لجانب، فهم كما يَرْوُونَ الأحاديث الدالة على عصمة الرسول عن كل ما يخل بالنبوة وبالتوحيد يَرْوُونَ كذلك الأحاديث التي قد يكون فيها خدش للعصمة ولمقام النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو أنهم اقتصروا على القسم الأول لما كان عليهم ضير، ولكنها الأمانة الفائقة في النقل وعدم إخفاء شيء من الروايات حتى لو كان فيه مساس