للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحَدِيثُ صَحِيحٌ وَفِي أَعْلَى دَرَجَاتِ الصِحَّةِ:

ومن ثم نرى أن الحديث رواه سبعة من أئمة الحديث وسند كل منها صحيح فلا جرم أن أقول: إن حديث الذباب صحيح غاية الصحة، من ناحية السند، وأما من ناحية المتن فقد أثبت الطب الحديث بما لا يدع مجالاً للشك أن الحديث صحيح في معناه.

ولو أن الذين أجروا التجارب على الذباب حتى توصلوا إلى أن في الذباب مادة قاتلة للجراثيم التي تسبب الأمراض كانوا أطباء مسلمين لربما قال قائل: إنهم متحيزون للحديث ولكنهم جميعًا أطباء لا يمتون إلى الإسلام الحنيف بصلة، ولكن البحث وإثراء البحوث الطبية هو الذي حداهم إلى هذا، وكل ما فعله الأطباء المسلمون هو ترجمة ما أجراه الأطباء الأجانب من تجارب وما قاموا به من بحوث من المراجع العالمية فلهم من الله تعالى الجزاء الأوفى. (*).

وقوله: «فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً»: الفاء لتعليل الغمس ثم الطرح، وقد ورد في رواية " أبي داود " «فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ» بالتذكير، وكذلك جاء في بعض روايات " الجامع الصحيح "، وذلك لأن الجناح يذكر ويؤنث فالروايتان صحيحتان، وحقيقة الجناح للطائر ويقال لغيره على سبيل المجاز كما في قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (١).

وقد وقع في رواية " أبي داود " - وصححه ابن حبان - من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة زيادة: «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» أقول: لأنه بمنزلة السلاح له. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (٢): «وَلَمْ يَقَع لِي فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق [تَعْيِين] الْجَنَاح الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء مِنْ غَيْره، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْض الْعُلَمَاء أَنَّهُ تَأَمَّلَهُ فَوَجَدَهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الأَيْسَر فَعُرِفَ أَنَّ الأَيْمَن هُوَ الَّذِي فِيهِ الشِّفَاء، وَالْمُنَاسَبَة فِي ذَلِكَ ظَاهِرَة». أقول: لأن جهة اليمين يكون فيها الخير، ولذلك كان النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -


(١) [سورة الإسراء، الآية: ٢٤].
(٢) انظر: " فتح الباري ": ج ١٠ ص ٢٥١، طبعة السلفية.

<<  <   >  >>