وفي الحق أنه ما مِنْ بحث عرض له إِلاَّ قد أشبع العلماء فيه القول، وَلِنَدَعْ التدليل إلى مقام التفصيل.
٢ - أنَّ المؤلف اعتمد في التدليل على بعض ما ذهب إليه على كلام المُسْتَشْرِقِينَ!! وأي والله المُسْتَشْرِقِينَ، وذلك كما فعل في ص ٨١، ١٧١، ١٧٢ وكيف خَفِيَ على المؤلف الحصيف أنَّ المُسْتَشْرِقِينَ - إِلاَّ القليل منهم - يحملون الضغن للإسلام والمسلمين، وأنهم نَفَثُوا سمومهم في بحوث ادَّعُوا أنها حُرَّةٌ نزيهة - وما هي من النزاهة في شيء - وأنَّ من مقاصدهم تقويض صرح الإسلام الشامخ، وذلك بتقويض دَعَامَتَيْهِ القرآن والسُنَّة؟ وأنهم لما عَزَّ عليهم التشكيك في القرآن - على كثرة ما حاولوا - رَكَّزُوا معظم جهودهم في السُنَّة بحُجَّةِ عدم تواترها في تفصيلها، فلبسوا الأمر على بعض الناس حتى كان من أثر ذلك ما يطلع علينا بعض الباحثين في الأحاديث النبوية بين الحين والحين - ومنهم الأستاذ المؤلف - من آراء مبسترة جائرة، ويشهد الله أنها مصنوعة في معامل المُسْتَشْرِقِينَ، ثم اسْتَوْرَدَهَا هؤلاء فيما اسْتَوْرَدُوا من أفكار وادَّعَوءهَا لأنفسهم زُوراً وبُهْتَاناً.
٣ - إنَّ المؤلف أفاض في بعض المباحث وأكثر من النقول وذلك لكي يُرَتِّبَ عليها ما يريد من نتائج هي أبعد ما تكون مترتبة عليها، وذلك كما صنع في مَبْحَثَيْ الرواية بالمعنى وضررها الديني واللغوي والأدبي، بينما أوجز إيجازا مخلا في بعضها كما فعل في مَبْحَثَيْ العدالة والضبط وهل تعلم أنَّ هذين المَبْحَثَيْنِ اللَّذَيْنِ يقوم عليهما علم الرواية ونقد المرويات في الإسلام لم يحظيا من الكتاب إِلاَّ ببضعة أسطر؟
والذي يظهر لي أنه أمر مقصود من المؤلف، ذلك أنه لو ذكر شروط العدالة والضبط على ما أصلها وقعدها أئمة الحديث وصيارفته، لعاد ذلك بالنقض على كثير مِمَّا ذكره المؤلف في كتابه من استنتاجات لا تسلم له.
ولا أكون مغالياً أو متعصِّباً إذا قلت: إنَّ الأصول التي وضعها علماء أصول الحديث لنقد المرويات، هي أرقى وأدقَّ ما وصل إليه العقل البشري في القديم والحديث وسأفيض في بيان ذلك عند النقد الموضوعي إنْ شاء الله.
٤ - من عجيب أمر هذا المؤلف أنه يستشهد بأحاديث موضوعة، ما دامت تساعده على ما يريد ويهوى من آراء.