وذلك مثل ما فعل في [ص ٢٩] من استشهاده بما روي أنَّ عمر حبس ابنَ مسعود وأبا موسى وأبا الدَرْدَاءَ في المدينة على الإكثار من الحديث فإنه خبر ظاهر الكذب والتوليد - كما قال ابن حزم - ونِسْبَتُهُ رِوَايَتَهُ إلى ابن حزم ليس من الأمانة العلمية في النقل.
ومثل حديث عرض السُنَّة على القرآن فهو موضوع باتِّفاق الأئمة.
على حين حاول أنْ يُشَكِّكَ في أحاديث صحيحة ثابتة مثل حديث «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» فقد نقده من ناحية متنه مُوهِمًا اختلافه [ص ٢٥٢].
وطعن في حديث «الإسراء والمعراج» وحَمْلِ موسى محمدا- عَلَيْهِمَا الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - على مراجعة ربه، واعتبر ذلك من الإسرائيليات [ص ١٢٦].
كما اعتبر ذكر المسجد الأقصى في حديث «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ» من الإسرائيليات [ص ١٢٩]، والإمام ابن تيمية وهو من أئمة المنقول والمعقول وينقل عنه المؤلف كثيراً في كتابه، احتجَّ بهذا الحديث ولم يُبْدِ عليه أي مأخذ من المآخذ، وهو من الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان البخاري ومسلم، إلى غير ذلك مِمَّا ستعلم الكثير منه عندما نتعرَّض للنقد التفصيلي.
ولا أكاد أعلم للمؤلف سلفاً في الطعن في هذه الأحاديث من الأئمة، اللَّهم إِلاَّ أنْ يكون السادة المُسْتَشْرِقُونَ وَهِيَ شَنْشَنَةٌ نَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ.
وإنَّ مِمَّا يؤسف ويدهش أنه اعتبر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي رواه البخاري وغيره «إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن» خرافة من خرافات كعب الأحبار امتدَّت إلى تلميذه عبد الله بن عمرو [ص ١١٤]. ولا أدري كيف يتَّفق هذا وقول الحق تبارك وتعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ}(١).
٥ - جارى المؤلف المُسْتَشْرِقِينَ حينما تكلَّم عن العصبية المذهبية والسياسية في فصل «الوضع» فحكم على كل ما يَدُلُّ على فضيلة لصحابي أو يشهد لفكرة أو رأي أنه موضوع، وهو تصرف لا يرتضيه المُنْصِفُونَ المُتَثَبِّتُونَ ولا ترتضيه قواعد البحث النزيه المستقيم، فمن ثَمَّ طعن في كثير من الأحاديث الصحيحة في الفضائل، وغير