للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَلاَمٌ قَوِيمٌ لِلإِمَامِ المَازَرِي (١) - رَحِمَهُ اللهُ -:

قَالَ الإِمَامُ المَازِرِيُّ: «أَنْكَرَ [المُبْتَدِعَةُ] هَذَا الحَدِيثِ - يريد حديث السحر - وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ، وَيُشَكِّكُ فِيهَا، قَالُوا وَكُلُّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ [فَهُوَ] بَاطِلٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيز هَذَا يَعْدَمُ الثِّقَةَ بِمَا [شَرَعَهُ] مِنْ الشَّرَائِعِ إِذْ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيلَ وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ (٢)، وَأَنَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ»، قَالَ: «وَهَذَا كُلُّهُ مَرْدُودٌ، لأَنَّ الدَّلِيل قَدْ قَامَ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَتِهِ فِي التَّبْلِيغِ، وَالْمُعْجِزَاتُ شَاهِدَاتٌ بِتَصْدِيقِهِ، فَتَجْوِيزُ مَا قَامَ الدَّلِيل [عَلَى خِلاَفه] بَاطِل.

وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ الأُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ لأَجْلِهَا، وَلاَ كَانَتْ الرِّسَالَةُ مِنْ أَجْلهَا فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَةٌ لِمَا [يَعْتَرِضُ] البَشَر كَالأَمْرَاضِ، فَغَيْرَ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ مَعَ عِصْمَتهِ عَنْ مِثْل ذَلِكَ فِي أُمُورِ الدِّينِ»، قَالَ: «وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إِنَّ المُرَادَ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاتَهُ وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ، وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ تَخَيُّلُهُ لِلإِنْسَانِ فِي المَنَام فَلاَ يَبْعُدُ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ فِي اليَقِظَةِ» (٣).

كَلاَمٌ فِي المَوْضُوعِ قَيِّمٌ لابْنِ القَيِّمِ (٤):

قال الإمام ابن القيم بعد أن ذكر الأحاديث الدالة على سحر النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وهذا الحديث


(١) هو الإمام أبو عبد الله بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري - بفتح الزاي - نسبة إلى مازرة أو مازر بلد بجنوب جزيرة صقلية، الفقيه المالكي، وقد وصل إلى درجة الاجتهاد في المذهب وقد شارك في علوم كثيرة وله مؤلفات منها " المعلم بشرح صحيح مسلم " وقد أكمله القاضي عياض وسماه " إكمال المعلم ". توفي سَنَةَ ست وثلاثون وخمسمائة.
(٢) ثَمَّ: اسم يشار به إلى المكان البعيد مثل: هنالك، وهو ظرف لا يتصرف.
(٣) " فتح الباري ": جـ ١٠ ص ٢٢٦، ٢٢٧.
(٤) هو الإمام المحدث المفسر الفقيه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المتوفى سَنَةَ ٧٥١ هـ وهو من أصحاب الإمام ابن تيمية، له كتب كثيرة، نافعة، مفيدة منها: " زاد المعاد في هدي خير العباد "، و " إعلام الموقعين " و " الطرق الحكمية "، و " مفتاح السعادة "، و " طريق الهجرتين "، وغيرها.

<<  <   >  >>