للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا الباطل لجلج لا يثبت أهله على قول ولا حال.

[٤] وأما قولهم: إذا جاز أن يتخيل ما ليس بواقع واقعًا في غير أمور الدين لجاز ذلك في أمور الدين فهو مردود بما قدمناه في بيان المراد من الحديث وأن السحر أَثَّرَ في جسمه لا في عقله، ولو سلمنا لهم ما تدل عليه الرواية بحسب ظاهرها لما تم لهم ما أرادوا، لأن قياس أمور الوحي والرسالة على أمور الدنيا قياس مع الفارق فإنه بالنسبة لأمور الدين معصوم من الخطأ والتغيير والتبدل، ولا عصمة له في أمور الدنيا، فللرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتباران: اعتبار كونه بشرًا، واعتبار كونه رسولاً، فبالاعتبار الأول يجوز على سائر البشر، ومنه أن يسحر وبالاعتبار الثاني لا يجوز ما يخل بالرسالة لقيام الدليل العقلي، والنقلي على العصمة منه.

ثم ما رأى المنكرين للحديث فيما ثبت في القرآن منسوبًا إلى نبي الله موسى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - من أنه تخيل في حبال السحرة وعصيهم أنها حيات تسعى، فهل ينكرون القرآن القطعي المتواتر؟! وهل أخل تخيله هذا بمنصب الرسالة والتبليغ؟!.

وإذا كان لا مناص لهم من التسليم بما جاء به القرآن، فلم اعتبروا التخيل في حديث السحر مُنَافِيًا للعصمة ولم يعتبروه في قصة سيدنا موسى - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - منافيًا للعصمة؟! أفيدونا يا قوم!!!.

لقد شاء اللهُ سُبْحَانَهُ - ولله الحكمة البالغة - أن يبتلي أنبياءه بشتى أنواع الابتلاء ليعلم الناس أنهم بشر مثلهم فلا يرفعوهم إلى درجة الألوهية، وليزداد ثواب الأنبياء، وتعظم منازلهم عند الله تعالى بما يقاسونه وما يتحملونه في سبيل تبليغ الدين والرسالات.

ولا أحب أن أطيل بذكر بعض أقوال الأئمة الجامعين بين علمي المعقول والمنقول ولكني سأجتزئ بنقلين اثنين:

<<  <   >  >>