للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باب هل يستخرج السحر. وثانيهما هو الإمام الحُميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى الحميدي القرشي المكي أبو بكر ثقة حافظ، يعتبر من أجل أصحاب ابن عيينة من العاشرة، مات سَنَةَ تسع وعشرة ومائتين (١) وقيل بعدها، قال الحاكم: «كَانَ البُخَارِيُّ إِذَا وَجَدَ الحَدِيثَ عَنْ الحُمَيْدِيِّ لاَ يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ» ولفظ رواية سفيان: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يُرَى (٢) أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ» قَالَ سُفْيَانُ: «وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ» (٣).

وهذه الرواية هي التي بنبغي أن يُعَوَّلَ عليها، ولذلك قال الإمام القاضي عياض: «يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد [بِالتَّخْيِيلِ] الْمَذْكُور أَنَّهُ يَظْهَر لَهُ مِنْ نَشَاطه مَا أَلِفَهُ مِنْ سَابِق عَادَته مِنْ الاِقْتِدَار عَلَى الوَطْء، فَإِذَا دَنَا مِنَ المَرْأَة فَتَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ شَأْن المَعْقُود» (٤) وقواعد البحث العلمي الصحيح فيما إذا كانت هناك روايتان: إحداهما موهمة خلاف المراد والثانية: ليست موهمة أن نحكم ف المراد الرواية الغير الموهمة.

وعلى هذا لا يكون هناك إخلال بعصمة النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وينهار الأساس الذي بنوا عليه إنكار الحديث.

[٣] وأما أن الحديث مخالف للقرآن فغير مُسَلَّمٌ، لأن المشركين لم يريدوا بقولهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا} (٥). أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سحر حتى أدركه بعض التغير مدة، ثم شفاه الله، وإنما أرادوا أنه يصدر عن خيال وجنون في كل ما يقول وما يفعل، وآن ما جاء به ليس من الوحي فغرضهم إنكار رسالته - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنه ليس بنبي، ومعروف من شأن الكفار أنهم ما كانوا يثبتون على قول ولا على حال فمرة كانوا يقولون شاعر، ومرة يقولون كاهن، وثالثة كانوا يقولون ساحر، وأخرى أنه مسحور،


(١) " تقريب التهذيب ": جـ ١ ص ٤١٥.
(٢) روى: يُرَى بضم الياء أي يُظَنُّ، وروي بالفتح أي يعلم ومعنى «يَأْتِي النِّسَاءَ» أي يقدر على إتيانهن أي مباشرتهن وهذا قد يحدث من غير مرض فما بالكم مع وجود المرض الجسماني.
(٣) لأنه يخالف طبيعة الإنسان وفطرته في سكنه إلى زوجته، واطمئنانه إليها، وصدق سفيان فيما قال.
(٤) " فتح الباري بشرح صحيح البخاري ": جـ ١٠ ص ٢٢٧ طبعة السلفية.
(٥) [سورة الفرقان، الآية: ٨].

<<  <   >  >>