للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واليأس من رحمة الله ومن تداركه هذه الأمة ليس من خُلُقِ المسلم، ولا من خُلُقِ المؤمن، وصدق الله في حكايته لمقالة نبيه يعقوب - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لبنيه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (١) ولتكون مُثَبِّتَةً لقلوب المؤمنين المجاهدين والمضحين بأنفسهم في سبيل الدين الحق: دين الإسلام والدعوة الحقة: الدعوة إلى الله، وحاثة لهم على الاستمرار في هذا الطريق الواضح المبين مهما نزل بهم من بلاء، ومهما صادفوا من عقبات.

وقد اختلف في المراد بهذه الفئة الثابتة على الحق فقال الإمام الجليل البخاري: «هُمْ أَهْلُ العِلْمِ»، وقال الإمام الجليل أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: «إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلاَ أَدْرِي مَنْ هُمْ؟» قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: «إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ» , وقال غيرهم غير ذلك، فمن ثم نرى أن كل طائفة من طوائف أهل العلم حاولت أن تبين أنها هي المعنية بالأحاديث.

والحق هو ما قاله الإمام الجليل النووي في " شرحه لصحيح مسلم " قال الحافظ نقلاً عنه مع بعض الزيادة:

«يَجُوز أَنْ تَكُون الطَّائِفَة جَمَاعَة مُتَعَدِّدَة مِنْ أَنْوَاع الْمُؤْمِنِينَ: مَا بَيْن شُجَاعٍ وَبَصِيرٍ بِالْحَرْبِ وَفَقِيهٍ وَمُحَدِّثٍ وَمُفَسِّرٍ وَقَائِمٍ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَزَاهِدٍ وَعَابِدٍ، وَلاَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، بَلْ يَجُوزُ اِجْتِمَاعُهُمْ فِي قُطْرٍ وَاحِدٍ وَافْتِرَاقُهُمْ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي البَلَدِ الوَاحِدِ وَأَنْ يَكُونُوا فِي بَعْضٍ مِنْهُ دُونَ بَعْضٍ، وَيَجُوزُ إِخْلاَءُ الأَرْضِ كُلِّهَا مِنْ بَعْضِهِمْ أَوَّلاً فَأَوَّلاً إِلَى أَنْ لاَ يَبْقَى إِلاَّ فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اِنْقَرَضُوا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ» (٢).

...


(١) [سورة يوسف، الآية: ٨٧].
(٢) " فتح الباري ": جـ ١٣ ص ٢٩٥.

<<  <   >  >>