ومِمَّا أخرجه ابن سعد أنه قال: أكريت نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي، فكانت تكلفني أنْ أركب قائماً وأورد حافياً، فلما كان بعد ذلك زَوَّجَنِيهَا اللهُ، فكلفتها أنْ تركب قائمة وأنْ تورد حافية.
ويعلِّق الباحث الأديب على هذه العبارة، فيقول بالهامش ما نصه: انظر إلى هذا الكلام الذي تعرَّى عن كل مروءة وكرم، واتَّسم بكل دناءة ولؤم، فتجده يُبَاهِي بِامْتِهَانِ زوجه والتَشَفِّي منها، وهل يفعل مثل ذلك رجل كريم خرج من أصل عريق (١).
وبحسبي أنْ أضع هذه العبارات، التي نضحت بها نفس المؤلف الأديب بين يدي القُرَّاءِ، وسأدع الحُكْم عليه، لمحكمة الأدب السامي، والضمير الإنساني، وسيكون الحُكْم - لا ريب - قاسياً.
هذا إلى ما جاء في تضاعيف كتابه من رمي المنتصرين لِلْسُنَّةِ، المخالفين له في آرائه بالحَشْوِيَّةِ حيناً، وبالمُقَلِّدَةِ والجَامِدِينَ حيناً آخر، إلى غير ذلك مِمَّا ينبغي أنْ يُنَزَّهَ التأليف والنقد عنه.
هذا وليطمئن المؤلف أَبُو رَيَّةَ، أني لن أتعرَّض لعقيدته ومذهبه ونشأته، ولا لكرم أصله أو عدم كرمه، ولا لمروءته أو عدم مروءته، إلى غير ذلك مِمَّا تناول به السَيِّدَ الجليل أبا هريرة، فقد أخذت نفسي منذ أمسكت بالقلم أنْ أَتَرَفَّعَ عن مثل هذه السفاسف .... ! والسباب والشتم إنما هي بضاعة العاجز الذي لا يسعفه المنطق السليم والحُجَّة الدامغة ولن يرى مني إِلاَّ النقد الموضوعي للكتاب.
ومن الله أستمد العون والتوفيق، فاللَّهُمَّ أَعِنْ وَسَدِّدْ.
(١) هذا ما قاله أَبُو رَيَّةَ في السيد أبي هريرة، وقال الإمام ابن إسحق فيه: «كَانَ وَسِيطاً فِي دَوْسٍ»، فانظر فرق ما بين المقالتين. والوسيط: الرجل الفاضل ذو النسب العريق.