للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام ابن تيْميَّة: «وليس في كون عمَّار تقتله الفئة الباغية ما ينافي ما ذكرناه، فإنه قد قال الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} فقد جعلهم مع وجود الاقتتال والبغي مؤمنين إخوة، بل مع أمره بقتال الفئة الباغية جعلهم مؤمنين. وليس كل ما كان بغياً وظلماً أو عدواناً يخرج عموم الناس عن الإيمان، ولا يوجب لعنتهم، فكيف يخرج ذلك من كان من خير القرون؟ وكل من كان باغياً، أو ظالماً، أو معتدياً، أو مرتكباً ما هو ذنب فهو قسمان: متأوِّل، وغير متأوِّل، فالمتأوِّل المجتهد: كأهل العلم والدين الذين اجتهدوا، واعتقد بعضهم حلَّ أمور، واعتقد الآخر تحريمها، كما استحل بعضُهم بعضَ أنواع الأشربة، وبعضُهم بعضَ المعاملات الربوية، وبعضُهم بعضَ عقود التحليل والمتعة، وأمثال ذلك، فقد جرى ذلك وأمثاله من خيار السلف. فهؤلاء المتأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون، وقد قال الله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء. وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام إنما حكما في الحرث، وخص أحدهما بالعلم والحكم، مع ثنائه على كل منهما بالعلم والحكم. والعلماء ورثة الأنبياء، فإذا فهم أحدهم من المسألة ما لم يفهمه الآخر لم يكن بذلك ملوماً، ولا مانعاً لما عرف من علمه ودينه، وإن كان ذلك مع العلم بالحكم يكون إثماً وظلماً، والإصرار عليه فسقاً، بل متى علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفراً. فالبغي هو من هذا الباب.

<<  <   >  >>