للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إذا كان الباغي مجتهداً ومتأوِّلاً، ولم يتبين له أنه باغٍ، بل اعتقد أنه على الحق وإن كان مخطئاً في اعتقاده: لم تكن تسميته باغياً موجبة لإثمه، فضلاً عن أن توجب فسقه. والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين يقولون: مع الأمر بقتالهم قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم، لا عقوبة لهم، بل للمنع من العدوان. ويقولون: إنهم باقون على العدالة، لا يُفسَّقون. ويقولون هم كغير المكلف، كما يمنع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان أن لا يصدر منهم، بل تمنع البهائم من العدوان. ويجب على من قتل مؤمناً خطأ الدية بنص القرآن مع أنه لا إثم عليه في ذلك، وهكذا من رفع إلى الإمام من أهل الحدود وتاب بعد القدرة عليه فأقام عليه الحد، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والباغي المتأوِّل يجلد عند مالك والشافعي وأحمد ونظائره متعددة.

ثم بتقدير أن يكون البغي بغير تأويل: يكون ذنباً، والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة: بالحسنات الماحية، والمصائب المكفِّرة، وغير ذلك» (١).

وقال أيضا: «وأهل السنة والجماعة متفقون على أن المعروفين بالخير، كالصحابة المعروفين وغيرهم من أهل الجمل وصفِّين من الجانبين، لا يُفسَّقُ أحدٌ منهم، فضلاً عن أن يكفر، حتى عدى ذلك من عداه من الفقهاء إلى سائر أهل البغي، فإنهم مع إيجابهم لقتالهم منعوا أن يحكم بفسقهم لأجل التأويل، كما يقول هؤلاء الأئمة: إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأوِّلاً لا يُجلَد ولا يُفسَّق» (٢).


(١) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٧٤ - ٧٦).
(٢) مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٩٥).

<<  <   >  >>