للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن كثير: «ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم، كما يحاوله جهلة الفرق الضالة; لأنهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيباً، بل المصيب له أجران، والمخطئ له أجر، ومن زاد في هذا الحديث بعد قوله: تقتلك الفئة الباغية: لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة، فقد افترى في هذه الزيادة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه لم يقلها إذ لم تنقل من طريق تقبل. والله أعلم.

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فإن عمَّارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة، وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به، وأن يكون الناس أوزاعاً، على كل قطر إمامٌ برأسه، وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة، واختلاف الأمة، فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم، وإن كانوا لا يقصدونه. والله أعلم» (١).

وقال أيضا: «وأمَّا ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد، كيوم صفِّين. والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ، ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان» (٢).

وقال أيضا: «ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفاً وخلفاً، وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين من الطرفين; أهل العراق وأهل الشام» (٣).

وقال الحافظ ابن حجر: «وذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل مع علي، لامتثال قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} الآية، ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية، وقد ثبت أن من قاتل عليَّاً كانوا بغاة، وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على أنه لا يُذمُّ واحدٌ من هؤلاء، بل يقولون: اجتهدوا فأخطئوا» (٤).


(١) البداية والنهاية (٤/ ٥٣٨).
(٢) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث (ص: ١٧٧).
(٣) البداية والنهاية (١١/ ٤٢٠).
(٤) فتح الباري (١٣/ ٦٧).

<<  <   >  >>